خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين(ع)، عندما قال: “أيُّها الناس أوصيكم بتقوى الله، فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ، وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ، بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ (في التقرب من الله ورضوانه) وَيَنْجُو الْهَارِبُ وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ.. فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالتَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ، وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ وَلَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ وَلَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ..”.
أيٌّها الأحبة: هذه هي وصية أمير المؤمنين(ع) لنا، أن نجد في الحياة ونجتهد فيها في أدائنا لمسؤولياتنا وما أمرنا القيام به، وأن لا تغرنا الدنيا بغرورها ولا نخدع بها، فإنها لم تبقِ أحداً على ظهرها ولن يسلم منها أحد مهما كبر وعظم ملكه وسلطانه وكثرت أمواله، وبذلك نكون أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من الوضع المعيشي والحياتي الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم بفعل الارتفاع المريع لسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية بكل التداعيات التي تترتب عليه، بعد أن كف مصرف لبنان عن القيام بالدور الذي أسند إليه للجمه، وإذا كان هناك من معالجات تجري فهي تبقى في إطار ملاحقة المضاربين والتي إن حصلت لا تزال عند حدود المضاربين الصغار فيما هي لا تصل إلى الكبار ومنهم من يملك التغطية القانونية والسياسية….
يأتي كل ذلك في وقت لا تزال الدولة اللبنانية تستمر بسياسة مد أيديها لجيوب اللبنانيين الفارغة، فبعد رفع الدولار الجمركي تأتي إضافة جديدة برفع الدولار الرسمي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة، وهو وإن كان يقلل الفارق بين الدولار الرسمي ودولار السوق، لكنه لم يأخذ في الاعتبار ما يسببه من رفع لقيمة الضرائب والرسوم والغرامات، ويضاف إليه الحديث عن قرار برفع الدعم عن أدوية الأمراض المستعصية.
إننا أمام ذلك نخشى إن لم تتم المسارعة لمعالجة هذا الوضع أن لا تقف آثاره عند حدود الاحتجاج في الإضرابات التي تحصل في المؤسسات الرسمية والمدارس والجامعات وفي القطاعات الخاصة، بل أن تمتد إلى الشارع بكل التداعيات التي تنشأ من وراء ذلك والتي قد تؤدي إلى وقوع ما جرى الحديث عنه من فوضى أمنية هناك من يخطط لها.
إن من المؤسف والمحزن أن يجري كل ذلك، فيما لا يزال من يتولون مواقع المسؤولية غارقين في صراعاتهم وانقساماتهم وتبادل الاتهامات فيما بينهم غير مبالين بمعاناة الناس وانهيار البلد، لتبقى الحلول معطلة والاستحقاقات مجمدة إلى أجل غير مسمّى.
إن من حقنا أمام كل هذا الواقع، أن نتساءل ماذا ينتظر المسؤولون حتى يشمروا عن سواعدهم لإخراج البلد من حال التداعي التي وصل إليها، ألا يكفي كل ما يحصل حتى يلتقوا للوصول إلى صيغة تضمن انتخاب رئيس للجمهورية نريده قادراً على جمع اللبنانيين وقادراً على قيادة مرحلة هي من أصعب المراحل.
إننا نأمل أن تصغي القوى السياسية المتمثلة في المجلس النيابي سريعاً إلى كل الأصوات والتحركات التي تدعوها إلى الإسراع للقيام بدورها لتأمين هذا الاستحقاق، وأن لا يضيع وسط الانقسامات الحادة والحسابات الخاصة والمصالح الفئوية.
وإلى أن يحصل ذلك، فإننا نعيد التأكيد على كل من يتولون المسؤولية إلى عدم ترك حبل البلد على غاربه والعمل بكل جدية لمعالجة الملفات الملحة المطروحة والتي لا تحتمل التأجيل، ما يتطلب قيام الوزارات بدورها، وحتى العمل لاجتماع مجلس الوزراء إذا اقتضت الضرورات ذلك.
ونبقى على الصعيد الأمني، لنقدر مجدداً الدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الساهرة على أمن المواطنين رغم كل الظروف التي تعاني منها إن على صعيد مواجهة الجريمة وآفة المخدرات أو السرقات أو في التصدي للخلايا الإرهابية التي تخطط للعودة إلى هذا البلد للعبث بأمنه واستقراره وخلق مناخات الفتنة فيه.
وهنا ننوه بالإنجاز الذي حصل في كشف واحدة من هذه الخلايا الإرهابية التي كانت تخطط للمس بمؤسسات ومرافق حيوية.
أما على الصعيد الإقليمي، فإننا نتوقف عند الاعتداء الذي جرى على مدينة أصفهان في الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي باتت تشير التقارير الأمنية إلى أن وراءه أصابع صهيونية، ونحن في الوقت الذي نستنكر العبث بأمن هذا البلد، فإننا نحذر من التداعيات الخطيرة من ورائه، والتي قد لا تقف آثارها عند حدود من قام به بل تتعداه إلى المنطقة كلها.
وأخيراً إننا نرى في العملية البطولية التي حصلت في القدس، تعبيرا عملياً عن إرادة هذا الشعب وإصراره في التصدي لممارسات الكيان الصهيوني ومنعه من الاستمرار في استباحة الأرض والمس بالمقدسات رغم الظروف الصعبة التي يعيشها والمعاناة التي يتعرض لها من العدو.
إننا أمام الدماء الذي بذلت والتضحيات التي قدمت وستبقى تقدم، وأمام ما يتعرض له الأسرى في سجون هذا العدو وعمليات التنكيل بهم، نجدد دعوتنا للعرب والمسلمين إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني حتى يستمر بجهاده ويمنع العدو من العبث بأمنه وأمن المنطقة ومن تنفيذ مخططاته الاستيطانية والتوسعية، وإيقاف السياسة التي نشهدها في التطبيع مع هذا الكيان والتي تساعد هذا العدو على استمرار جرائمه.