خطبة الجمعة للشيخ الخطيب في مقر المجلس
ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين واصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.
والسلام عليكم ايها الأخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
ونستغفر الله ونسأله أن يعفو عنا ويتوب علينا إنه هو التواب الرحيم، وأن يبارك لنا ولجميع المسلمين شهر رجب المعظّم فهو من الأشهر التي عظّمها الله تعالى وباركها وهو من الأشهر الحرم.
فعن رسول الله (ص): “إن الله تعالى نصب في السماء السابعة ملَكاً يقال له الداعي، فإذا دخل شهر رجب نادى ذلك الملك كل ليلة منه الى الصباح يقول: “طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين”، (يعني هنيئاً) ويقول الله تعالى:”أنا جليس من جالسني ومطيع من أطاعني وغافر من استغفرني، الشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن إعتصم به وصل إليّ”.
ومما زاده بركة وأهمية ولادات عدد من أئمة أهل البيت فيه مثل الامام الجواد والإمام الهادي وأهمها ولادة أبو الأئمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في الثالث عشر منه، وكذلك مناسبة البعثة النبوية الشريفة التي كانت محطة فاصلة في التاريخ الإنساني، فهو بين مجموعة من الفضائل منها الذاتية، ومنها ما اكتسبه بحكم المناسبات التي حدثت فيه وأعطته المزيد من الأهمية المعنوية .
وقد ورد الكثير من التأكيد على فضل القيام ببعض العبادات فيه وتخصيصها بالثواب العظيم مثل الصيام والتصدّق وهو كما يظهر إعطاء العبادة وجهها الاجتماعي والتربوي والثقافي وهي الصبغة العامة للعبادات في مفهومها الديني الإسلامي، لأن العبادة في الاسلام ليس شأنا تجريدياً خالصاً، وإنما ممارسة لها بعدها الثقافي والتربوي والسلوكي والاجتماعي وحتى السياسي والاقتصادي، بل كل ما له علاقة بالحياة والشأن الانساني الخاص أو العام.
فقد جاء في الذكر الحكيم عن الصلاة وهي عمود الدين قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر)ِ ، فلم يكن الامر بالصلاة فقط لتأدية مراسم العبودية لله تعالى وإنما أيضا كتزكية للنفس وتربية لها ، على ان مفهوم العبادة ليس محصوراً في العبادات الخاصة وانما يتسع لكل عمل قُصِد به وجه الله تعالى وكان محبوباً لديه ومطلوب له وفيه نفع لعباد الله وخير للبشرية كما قال رسول الله: (الناس كلهم عيال الله واحبهم اليه أنفعهم لعياله).
على أن العبادة بهذا المعنى لا وقت محدد لها وكلما وُجدت الفرصة المناسبة لها كان القيام بها مناسباً بخلاف العبادات الخاصة التي ورد تحديد لأدائها كالصلوات أو الصيام الواجب في شهر رمضان أو الحج، والفرق ان العبادات المخصوصة هي متمحضة في العبودية لها انعكاسات تربوية وثقافية واجتماعية الخ.. بخلاف غيرها من الأعمال الاخرى، فإنها أعمال ونشاطات اجتماعية أو اقتصادية أو خيرية عامة ثقافية أو تربوية وغيرها مما تعود بالنفع على الفاعل نفسه أو على الآخرين تكتسب صفة العبادة تبعاً لقصد القائم بهما، والعبادة في رجب متمحضة في العبادة لها آثار نفسية صحية تربوية إجتماعية كالصيام والصدقة ولكنها مستحبة ليس لها صفة الالزام والفرض كما هو حال العبادات اليومية، وأعتقد أن من أهم الأهداف للشارع المقدّس من فرض العبادات الخاصة هو الترقي الروحي بالإنسان إلى الدرجة التي يستطيع معها الاندفاع الذاتي نحو العمل العبادي والخيري .ولذلك فإن شهر رجب وشهر شعبان خُصّصا لممارسة التدريب الروحي الذاتي لتقوية الرابطة والعلاقة مع الله تعالى والتهؤ لملاقاة شهر رمضان المبارك.
والخلاصة ان العلاقة مع الله تعالى والارتباط به هو السبيل لصناعة الإنسان المتخلق بأخلاق الله تعالى الحامل للقيم الإلهية التي يمارس بها إنسانيته ويتمايز بها عن سائر المخلوقات ويقوم بالوظيفة التي خُلق من اجلها.
ومن هنا فإنّ ولادة علي عليه السلام في رجب ليست علاقة تاريخ ومناسبة فحسب وإنما تتعدى ذلك ليكون المثال للإنسان الكامل الذي بلغ القمة في التخلق بأخلاق الله تعالى والتخلّي عن الذات ومتطلباتها، المتحرّر من سلطان غرائزه وأهواء نفسه الذي ينقاد لعقله وإيمانه وأخلاقه وإنسانيته ولا تقوده غرائزه، وإنّما يقودها ويتحكم بها عليّ، لم يكن أبداً يرى ذاته وإنما كان الله دائما هو الحاضر لديه، فلم يحصل أبداً أن خَيّر نفسه بين الدنيا والآخرة أو بين الخير والشر وإنما كان الخير خياره والشر عدوه، فلقد قطع علاقته بالشر بلا إجبار.
فكان علي مع العدل والحق والخير لا انفصال بينهم ( علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) هذا بعض من علي الإنسان، علي القيم، مدينة علم رسول الله، يريدون لكم أن تخلعوا يدكم من يد علي وأن تضعوها بيد أبي جهل وأبي لهب ومعاوية، أبو جهل وأبو لهب ومعاوية اختاروا أن تحكم الغرائز عقولهم، فهل أنتم مع علي ام أنتم مع أبي جهل وابي لهب ومعاوية؟؟
في السياسة الداخلية وأمام الأوضاع المأساوية التي تنعكس مزيداً من التدهور الاقتصادي والضغوط المعيشية على المواطنين وتحديات أمنية لا يزال السياسيون للأسف يلعبون لعبة حافة الهاوية دون اكتراث لمعاناة الناس وانحلال مؤسسات الدولة، فإلى متى هذا التجاهل؟ ومتى تستفيق ضمائر المعنيين للخروج من حالة المراوحة والانتظار بالإسراع بالتفاهم والاتفاق على الحل الذي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ؟
نأمل أن يستوعب المعطلون الدرس ويستجيبوا لنداء الضمير وصرخة الشعب.