زواج القاصرات: كارثة إنسانية وجريمة بحق الطفولة واغتصاب براءتهم.
بقلم .نادي عاطف
في عالم يسير بخطى متسارعة نحو التقدم، لا تزال بعض الظواهر تعيدنا إلى عصور مظلمة تفتقر إلى العدالة والإنسانية. من بين هذه الظواهر الكارثية، زواج القاصرات الذي يُجرد الطفلة من حقها الأساسي في العيش بكرامة وأمان، ويحطم مستقبلها على مذبح الجهل والعادات المتوارثة.
حادثة زواج رجل ثلاثيني بطفلة في التاسعة من عمرها في ليبيا ليست مجرد قضية فردية، بل تعكس أزمة متجذرة في المجتمع، حيث تتداخل العادات القبلية مع غياب الوعي بالقوانين وحقوق الإنسان. كيف يمكن لمجتمع أن يتجاهل اغتصاب براءة الطفولة ويختصرها في عقد زواج؟ كيف يمكن أن تتحول الطفلة، التي بالكاد بدأت تفهم العالم من حولها، إلى زوجة تتحمل مسؤوليات تفوق طاقتها؟
الكارثة الإنسانية
طفلة في التاسعة من عمرها لا تزال تحتاج إلى رعاية، تعليم، وحماية، وليس إلى بيت زوجية ومسؤوليات. الطفولة ليست مرحلة يمكن القفز عليها أو اختصارها في ورقة زواج. إنها حق مقدس يُكفل للإنسان كي ينمو في بيئة سليمة، وينضج فكريًا وعاطفيًا وجسديًا.
هذا الزواج ليس سوى اغتصاب و استغلال صارخ لضعف الطفلة وأسرتها، وغالبًا ما يكون مدفوعًا بأسباب اقتصادية أو اجتماعية. لكنه، في حقيقته، يمثل اغتصابًا لطفولتها وحقوقها، ويعرضها لمخاطر صحية ونفسية قد تمتد لسنوات طويلة.
جريمة في حق الإنسانية
وفق القوانين الدولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل، تُعتبر هذه الممارسات جرائم يعاقب عليها القانون. الطفلة لا تملك القدرة على اتخاذ القرارات أو الموافقة الحرة، وبالتالي فإن أي علاقة من هذا النوع تُعد انتهاكًا لكرامتها وحقوقها.
الأدهى أن هذه الجريمة لا تنعكس فقط على الطفلة، بل على المجتمع بأسره. زواج القاصرات يُساهم في ارتفاع معدلات الأمية، العنف الأسري، والفقر، ويُعيق تقدم المجتمعات نحو تحقيق المساواة والتنمية.
دعوة للتغيير
لابد من مواجهة هذه الظاهرة بوعي وقوة. على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، وكذلك الأفراد، أن يقفوا صفًا واحدًا ضد هذه الجرائم. يجب تعزيز القوانين التي تحمي الطفولة وتُجرم زواج القاصرات، وتفعيل برامج توعوية تستهدف المجتمعات التي تنتشر فيها هذه الممارسات.
كما يجب أن يتحمل الإعلام دوره في تسليط الضوء على هذه الكوارث الإنسانية، وأن يضع المسؤولين أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية.
زواج القاصرات ليس مجرد خطأ فردي أو ثقافي، بل هو جريمة تُرتكب بحق الإنسانية والعدالة. كل طفلة تُجبر على الزواج قبل أوانه هي شهادة على فشلنا كمجتمعات في حمايتها، وصوت يُنادي بالعدالة والكرامة. علينا أن نصغي إلى هذا الصوت، وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة لضمان أن كل طفلة تنمو في بيئة تليق بها كإنسانة لها الحق في الحياة، الحرية، والمستقبل.