بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد ابو حمور….. الدين العام… مؤشرات تسترعي الاهتمام
تجاوز الدين العام مؤخراً ما مجموعه 43.3 مليار دينار، وبنسبة تصل الى 116% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما مدفوعات الفوائد فقد بلغت خلال الشهور الثمانية الأولى من هذا العام ما يقارب 1.5 مليار دينار، أي ما يعادل حوالي ربع الإيرادات المحلية.
وهذه النتائج ليست وليدة الساعة بل هي نتيجة الزيادة المضطردة في حجم ونسبة الدين العام خلال السنوات الماضية.
ولغايات المقارنة فقد بلغ مجموع الدين العام في عام 2010 حوالي 12.59 مليار دينار، ووصل عام 2015 الى حوالي 24.9 مليار دينار، وفي عام 2019 بلغ 30.08 مليار دينار، أي أن الدين العام نما خلال الفترة 2010 -2015 بنسبة تزيد عن 97%، وخلال الفترة 2015- 2019 بنسبة تقارب 21%، ومنذ 2019 وحتى الشهر الثامن من هذا العام بلغت نسبة نموه بحدود 43%.
أما الفوائد فقد ارتفع حجمها من 397.5 مليون دينار عام 2010 ، الى 914.4 مليون دينار في عام 2015، وصولاً الى أكثر من 1.1 مليار دينار عام 2019.
وأشارت احدى الدراسات المستندة الى بيانات عامي 2022،2023 الى أن متوسط سعر الفائدة على الدين العام في الأردن هي الثانية عربياً وتبلغ 5.1%، وتسبقها مصر التي تصل النسبة فيها الى 6.7%.
ومن الواضح أن هذا النمو المضطرد في حجم الدين العام ونسبته الى الناتج المحلي وما يترتب عليه من فوائد يتطلب اهتماماً خاصاً، فالدين العام إذا تم استخدامه كأداة تمويل رشيدة تساهم في إقامة المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية وزيادة نسب النمو وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما عندما يستخدم الدين لتمويل النفقات الجارية وترتفع كلفة فوائده وأعبائه عندها يصبح خطراً على المنجزات التنموية ويقلص قدرة المالية العامة على أداء دورها التنموي وعلى إمكانيات تطوير وتحسين الخدمات العامة،هذا بالإضافة الى ما يرتبه من أعباء على الأجيال القادمة
واليوم ونحن في خضم تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، وبرنامج الإصلاح المتفق عليه مع الجهات الدولية، ورغم الإنجازات التي يحققها الاقتصاد الأردني في ظل الظروف المعقدة التي تشهدها المنطقة، من المهم أن يتصدر موضوع الدين العام الاجندة الاقتصادية بحيث يتم الحفاظ على مستوى آمن من المديونية وبما يتناسب مع مقدرات الاقتصاد الوطني وتجنب ما قد يترتب من أعباء في المدى المتوسط والطويل.
الإدارة الحصيفة للدين العام تشكل عنصراً اساسياً في كبح جماح ما يترتب عليه من أعباء، وهذا لا يعفي من التعامل مع السبب الرئيسي لتراكم الدين العام والمتمثل في عجز الموازنة العامة من خلال مواصلة الإصلاحات الهادفة الى حشد الإيرادات المحلية وتوسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب والتجنب الضريبي، والعمل على ترشيد النفقات عبر الحد من الانفاق غير المنتج، وتحديد الأولويات وتعزيز الانفاق الرأسمالي، وبحيث تغدو السياسة المالية رافعة لتحفيز الاقتصاد وتحسين بيئة الاعمال وتقديم الخدمات العامة بما ينسجم مع التطورات التكنولوجية ورفع مستوى معيشة المواطنين.
هذا الامر بالطبع لا يتم بين ليلة وضحاها بل عبر استراتيجية واضحة المعالم وعابرة للحكومات ومؤطرة زمنياً يتم من خلالها ضبط العجز وتحسين مؤشرات الدين العام مع الاستمرار في تلبية الاحتياجات التمويلية ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد الوطني.