التنمية عبر تحفيز المشاريع الصغيرة..بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور
العمل لتحفيز النمو وتحسين حياة المواطنين لا يقتصر على مسار واحد فحسب بل يستلزم البحث في مختلف المجالات والسبل المتاحة التي تتيح استثمار الفرص والطاقات والامكانيات الكفيلة بتحقيق الأهداف الوطنية، وخلال الفترة الماضية طرحت العديد من الآراء التي تؤكد أهمية المشاريع الكبرى ودورها في تحفيز النمو، الا أنه من الواضح أن هناك بعض التحديات التمويلية واللوجستية التي قد تؤخر البدء في إقامة مثل هذه المشاريع، وهذا يحيلنا الى ضرورة المضي قدماً و بشكل متزامن لاستشراف الجوانب الإضافية التي تمثل أحدى المرتكزات الأساسية لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ضمن الإمكانات المتاحة، والمقصود بهذا الطرح هي المشاريع الصغيرة التي تساهم في رفع نسب النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل مما يعني أنها تساهم في التصدي لمعضلة الفقر والبطالة وتتيح استثمار طاقات معطلة وتفتح الباب أمام المبادرات الفردية التي تعتمد التشغيل بدلاً من التوظيف.
تكتسب المشروعات الصغيرة أهمية خاصة في الظروف الراهنة باعتبارها احدى الاستراتيجيات التي يمكن المراهنة عليها في إطار السعي لتحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، فهذه المشاريع تتصف بالعديد من المزايا والسمات ومن أهمها تشغيل الايدي العاملة، وهي وان كانت قادرة على استيعاب العمالة غير الماهرة الا انها تشكل في نفس الوقت ميداناً لرفع الكفاءة وتطوير المهارات لدى العاملين، والكلفة التمويلية للمشاريع الصغيرة ليست مرتفعة مما يتيح انشاء أعداد أكبر منها أضافة الى إمكانية التوسع الجغرافي مما يعني القدرة على تنمية الأطراف والمناطق الأقل حظاً ويشجع المبادرات الإنتاجية ويرفع مستوى الطموحات المجتمعية، ويوفر سلعاً لها أهميتها في الأسواق المحلية مع القدرة على مواكبة التغيرات في أنماط الاستهلاك والاستجابة لتفضيلات المستهلك النهائي وذلك بفضل التواصل المباشر مع أصحاب العلاقة خاصة وان منتجات هذه المشاريع تعتمد غالباً على المهارات الفردية.
كما أن انخفاض كلفة التأسيس وإمكانية الانتشار الجغرافي تفتح المجال واسعاً أمام تفعيل المشاركة الاقتصادية للمرأة وزيادة مساهمتها في تحسين دخل الاسرة، ولا بد من الإشارة أيضاً الى أن المشاريع الصغيرة تعتبر أداة لتحفيز الاستثمارات الصغيرة والعائلية مما يساهم في تقليص الاستهلاك الترفي وغير المبرر على مستوى المجتمع.
لغايات تنمية المشاريع الصغيرة وضمان ديمومتها واستمراريتها من المهم أن ندرك طبيعة الصعوبات والتحديات التي تواجه مثل هذه المشاريع ومن أهمها موضوع التمويل فاشتراطات ومتطلبات البنوك قد لا تتيح الحصول على قروض لغايات التوسع في الإنتاج أو تطويره، كما أن مؤسسات الإقراض الصغير تفرض فوائد مرتفعة مما يؤدي لزيادة الكلفة الإنتاجية ويقلص من القدرة التنافسية لمنتجات هذه المشاريع، والمصاعب المرتبطة بالتسويق تشكل هي الأخرى عاملاً يحد من إمكانية التطور والتوسع خاصة مع عدم توفر الخبرة والمهارة اللازمة للتسويق ناهيك عن عدم الاطلاع أو عدم توفر المعلومات والبيانات عن الأسواق ومتطلباتها، وهذه قد تمثل معضلة خاصة في حال التفكير بالمنافسة في الأسواق الخارجية التي تشهد عادة مستوى مرتفع من المنافسة واشتراط مواصفات محددة للمنتج، كما أن بعض الاشتراطات والإجراءات والكلف اللازمة لتسجيل هذه المشاريع وغياب الحوافز قد تدفعها الى العمل في اطار الاقتصاد غير الرسمي مما يعني إنتاجية منخفضة ومواصفات متواضعة وعدم الوصول الى الخدمات الأساسية والبنى التحتية التي تتيح تطور هذه المشاريع، ولا تتيح بناء قنوات تكامل وتواصل مع المشاريع الأخرى.
عند تناول بعض الجوانب المتعلقة بالمشاريع الصغيرة فنحن لا نتحدث عن بدائل بل عن تكامل الخيارات، لذلك من المهم أن نعمل على تذليل الصعوبات ومواجهة التحديات التي تعيق تطور وانتشار هذه المشاريع وأن نعتمد سياسات وبرامج تساهم في تطورها ونموها وزيادة رقعة انتشارها، بما في ذلك البرامج التمويلية والتدريب والمساعدات الفنية والحوافز التسويقية والضريبية، وفي حال النجاح بتنفيذ هذا الطموح من المؤكد أن ما يترتب عليه من نتائج تنموية ستشكل رافعة ذات أثر إيجابي على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك توليد فرص العمل وزيادة الصادرات وتكوين صناعات رديفة وسلاسل امداد آمنة وموثوقة وتنمية المهارات وتشجيع الابتكار.