القطاع الخاص وتحفيز النمو الاقتصادي بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور…….
بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور…….
تواضع نسب النمو الاقتصادي وعدم مواكبتها للزيادة في النمو السكاني تؤدي الى تراجع مستوى معيشة المواطنين وتفشي البطالة وزيادة نسب الفقر وهذا بدوره يكوّن بيئة ملائمة لتنامي المصاعب الاقتصادية والاجتماعية، وفي مثل هذه الظروف تلجأ الحكومات عادة لسياسات مالية ونقدية توسعية بهدف تحفيز النمو ومواجهة التحديات الناجمة عن تدني نسبته.
ولكن في ظروفنا المحلية ونتيجة للاوضاع والتطورات الدولية والاقليمية فمن الواضح أن اللجوء لهذا الخيار غير متاح عملياً، فالمالية العامة تعاني من عدم قدرتها على رصد مخصصات ملائمة لتمويل النفقات الرأسمالية، وكثيراً ما يتم اللجوء الى تمويل نفقات جارية عبر الدين العام وهذا ما أدى لزيادة أعباء الفوائد حتى أصبحت في بعض الأحيان تتجاوز ما ينفق على المشاريع الرأسمالية، أما السياسة النقدية فهي معنية بمكافحة التضخم الذي يملي عليها رفع أسعار الفائدة لتواكب التطورات العالمية ولتحافظ على جاذبية الودائع بالدينار وعلى سعر صرف العملة المحلية.
وفي ضوء التطورات الاقتصادية خلال العقود الأخيرة أصبح هناك شبه اجماع أن استثمارات وأنشطة القطاع الخاص هي العامل الحاسم في تحفيز النمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل، لذلك فالتغلب على التحديات التنموية لا بد أن يستند الى تعزيز دور القطاع الخاص وفتح المجال أمامه وتهيئة البيئة الملائمة التي تمنحه دوراً ريادياً في مختلف الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية، وبالطبع فهذا يستلزم العمل على مواصلة الإصلاحات التي تؤمن الظروف الموضوعية لزيادة حجم الاستثمار الخاص وتحسين نوعيته وبما يضمن الاستدامة والتنافسية التي ترفع مستوى الكفاءة وتزيد الإنتاجية بما يوائم التطورات التكنولوجية التي يشهدها عالم اليوم.
رؤية التحديث الاقتصادي تعتمد في جوانب رئيسية على جهود القطاع الخاص ومساهمته في زيادة نسب الاستثمار، وهذا يحتم ضرورة العمل على توفير كل ما يلزم لتمكين هذا القطاع من توسيع استثماراته وزيادة مساهمته في توليد فرص العمل بما في ذلك تخفيض كلف الإنتاج مما يساهم في رفع تنافسية المنتج المحلي والسير قدماً في تنفيذ المشاريع الكبرى بمشاركة القطاع الخاص وعبر الأساليب المختلفة لمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع الادراك بان الظروف الراهنة تشهد صعوبات في توفير التمويل الملائم وبكلفة معقولة لمشروعات القطاع الخاص وتحد من قدرته على المساهمة في المشاريع الكبرى ومشاريع البنية التحتية.
الا أن الأردن وعبر علاقاته المتميزة مع المؤسسات الدولية ومع الدول الشقيقة والصديقة يمكنه القيام بدور فاعل في تسهيل هذه المهمة خاصة وأن هذه الجهات لديها قناعة بجدية الأردن في اجراء الإصلاحات اللازمة لتحسين البيئة الاستثمارية كما أن لديها القدرة على تشجيع رؤوس الأموال للمساهمة في مثل هذه المشاريع.
بناء الشراكة الحقيقية بين القطاع الخاص والمؤسسات الرسمية تشكل قاعدة لتعزيز الثقة وآلية للتوصل الى حلول فاعلة وكفؤة تتيح التغلب على المصاعب التي تواجه بعض أنشطة القطاع الخاص بما فيها بعض الإجراءات البيروقراطية غير الضرورية التي تنجم عن عدم الادراك لمغزى وأهمية مساعدة القطاع الخاص ولا تلفت لضرورة تذليل الصعوبات التي قد تواجهه، هذا بالإضافة الى العمل على توفير متطلبات نجاح الاستثمارات بما فيها تحسين البنية التحتية وتطويرها والتخفيف من اعباء الطاقة وتوفير النقل الملائم والقوى العاملة ذات الكفاءة وهذا الامر رغم أهميته لازال بحاجة لبذل مزيد من الجهود لتتوافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، مع العناية بالمهارات التي تفوق الشهادات في أهميتها.
ومن المؤكد أن نجاحات القطاع الخاص وقدرته على توسيع استثماراته سيكون لها أثر إيجابي على مجمل الأوضاع الاقتصادية بما في ذلك رفع نسبة النمو الاقتصادي وتوفير مزيد من فرص العمل، كما أن هذه النجاحات تعد بمثابة عامل جاذب لمزيد من الاستثمارات، خاصة اذا تم السير قدماً في تحديث القطاع العام وبما يتوافق مع الإصلاحات الأخرى التي تشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية.
نجاحات القطاع الخاص وقدرته على توسيع استثماراته هي القاعدة التي تتيح تحقيق نسب نمو اقتصادي مرتفعة وتساهم في رفع مستوى معيشة المواطن وتولد فرص عمل مستدامة، وبالرغم من التحديات الا أن الفرص متاحة واقتناصها يحتاج للإدارة الكفؤة في القطاعين العام والخاص وتعاون مخلص وفعال بين مختلف الأطراف يستهدف ابتكار الحلول والعمل الجاد الذي يحقق المصلحة المشتركة ويرتقي بالطموحات الوطنية.