من الشارع إلى التشريع د. ليون سيوفي
د. ليون سيوفي
باحث وكاتب سياسي
ماذا تنتظرون إذا كان أغلب نواب الأمة تابعين للمليشيات التي حاربت لمدة خمسة عشر سنة وأوصلت الدم للركب هم في المجلس النيابي يشرّعون ما هو لصالحهم متأكدون أنّ الشعب وُجد لخدمتهم ولن يتحرك طالما هم على رأس السلطة، وإن تحرّك سيُقمع على طريقتهم التي قمعوا بها الانتفاضات السابقة ..
كان المواطن يعيش ببحبوحة وبسلام قبل مجيئهم وكنا نُعتبر من أفضل بلدان العالم حتى نهبوا الوطن وزادوا الضرائب وأوصلونا إلى الجحيم.
فكيف لك أن تكون وطنياً في بلد يحكمه القتلة والمجرمون واللصوص والمستبدون، فالوطنية الحقيقية لا تنمو وتزدهر لتثمر أمنًا واستقرارًا ورخاءً، إلا إذا تنفست نسائم الحرية، وكانت عامرة بالأحرار والشرفاء في ظل الديمقراطية والحكم الرشيد.
الطغاة لا يصنعون لا مواطنين ولا أناساً وطنيين، بل يصنعون منافقين وكذابين ومُرائين.
وبما أنّ النظام الفاشل اعتاد على فرض كل شيء في البلاد بالقوة والبلطجة الأمنية، فقد ظهرت لنا أجيال وأجيال تقول عكس ما تُضمر توخياً للسلامة.
ألجميع خائف وكأننا لا نعيش في دولة، خائفون من زعماء المليشيات وجبروتهم وقساوة قلبهم..
حتى لو سألنا ضابطاً متقاعداً لماذا لا تقومون بانقلاب ضد هذه الطبقة التي أهلكت الوطن وأهلكتكم أنتم وسرقت تعويضاتكم ورواتبكم وكونكم كنتم وما زلتم عسكراً ويكون الجواب كل من وصل لرتبه العسكرية وراءه زعيم والقليل القليل منهم حرّ ولا تهمه السياسة أو الانتفاضة وهو يعيش من قلة الموت ..
ألسنا نعيش اليوم أكثر مراحل تاريخنا بؤسًا وتخلفًا وظلامًا وقهرًا، بسبب تكالب الخارج والداخل علينا، أليس اليوم هو يوم اللصوص والدجل وبيع الكلام على السذج أليس اليوم هو يوم العملاء سافرين بدون حياء؟ أليس اليوم يحكمنا الأمي والدجال؟
نصّبوا أنفسهم أسيادًا وجعلوا فقراء وطني عبيداً لهم ، باعوا الوطن بثمن بخس، واليوم يقفون بكل وقاحة ويتحدثون عن الوطنية ويعقدون مجالسهم وكأنهم أهل الدار بعد أن خربوها وسرقوها وعاثوا فيها فسادًا بل ولقد ملأوها بقاذوراتهم
الشعب في وطني بات أسير هزائمه في حروبه اليومية ضد همومه الحياتية، فالمواطن أصبح محدودب الظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية التي كان لهم اليد الطولة في وجودها فلم تجد حلولاً لستر عجزها إلا بفرض مزيد من الضرائب ورفع الأسعار عليه، يضربونه أكثر ما يطعمونه، أفقدوه القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والقليل من الماء الشحيح رغم تلوثه، أو البحث عن فرصة عمل كريمة.
أنا لم أرَ في لبنان اليوم إلا أبطالاً في القبور ولصوصاً في القصور، وأغنياء على ذل الفقراء يغتنون، وحكاماً على جثث الناس يرقصون، ونواباً لا يتغيرون، ووزراءَ في مواضيع الإنشاء يتنافسون، وغباء بالجملة من أهل السياسة والشعب ..
ها أنا أنعي إليكم وطني الذبيح أرجوكم أن تزرعوا درب المقبرة بالورد والياسمين فالوطن لم يعد بعد اليوم له وجود بين الأحياء، سامحوني إن صرخت ورفضت كل شيء، وكسرت كل قيد، فقوة القمع في وطني لن ترهبني سامحوني فحب الوطن لعنة تطاردني ..
ورغم كل شيء فأنا متفائل بولادة ثورة وثوار يُسقطون هذه الطبقة ويحاسبونها ويُحاكمونها مهما طال الزمن..