بر الياس احتضنت لقاءً دينياً بقاعياً
المطران ابراهيم: بعضُ المسؤولين لدينا مجرمون يستحقون العقاب
الشيخ عنوز: آن للصيحة ان تنزل على رؤوس الذين ناموا فأهملوا الشعوب
احتضن صالون كنيسة مار الياس في بر الياس لقاءً دينياً بقاعياً على هامش الاحتفال بتكريس سيدات الأخوية في الرعية، ضم رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، سماحة مفتي البقاع الشيخ الدكتور علي الغزاوي ممثلاً بإمام بلدة بر الياس الشيخ وسام عنوز، مدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود، رئيس جمعية قولنا والعمل الشيخ الدكتور احمد القطان، النائب السابق الدكتور عاصم عراجي، رؤساء بلدية بر الياس السابقون : رضا الميس وناجي الميس، المخاتير : سليم ابو مراد، سعد عراجي، محمود عبيد، زاهر الهندي وأحمد شهاب، كاهن الرعية الأب ايليا عون والآباء مارون غنطوس، ايلي البلعة، أومير عبيدي، شربل راشد، ومرشد الأخويات في البقاع الأب طوني الصقر.
بداية اللقاء مع كلمة ترحيب للأب ايليا عون شكر فيها حضور الجميع وأكد على انفتاح الرعية على كافة مكونات البلدة وتعاونها معهم من اجل الخير العام، وشكر المطران ابراهيم على محبته الخاصة لبلدة بر الياس وابنائها جميعاً.
كلمة مخاتير بر الياس القاها المختار سليم ابو مراد، شدد خلالها على العيش الواحد في البلدة وضرورة تكاتف الجهود من اجل الصمود في الوطن.
الشيخ وسام عنوز
من ناحيته القى الشيخ وسام عنوز كلمة باسم المفتي غزاوي جاء فيها:
” سيادة المطران ابراهيم ابراهيم الجزيل الاحترام الذي تشرفت بر الياس اليوم بأن كان بين اهلها مكرِّماً ومكرَّماً في آن.
سعادة المدير العام، الآباء المحترمين، مخاتيرنا الأعزاء، الحضور الكريم.
هي التحية التي لا بد منها في ارض بر الياس الرحبة، هي التحية التي ينبغي ان تكون بمقام من حضر.
سيادة المطران، هذه القاعة شاهدة على تاريخ عريق وعميق للتلاقي والأخوّة والمحبة بين النسيجين المسيحي والإسلامي. هذه القاعة وعلى مدى سنوات مضت شهدت مواقف مشرّفة تعبّر عن كياننا في هذا الوطن، وليس لأحد منا اي جميل في ان يكون هذا دوره وهذا شأنه. واليوم ولأمر قدّره الله تعالى ان يكون عنوانكم في هذا اللقاء تكريس اخوات الرعية في الكنيسة هنا، وهذا العنوان ان دلّ على شيء فإنما يدل على نهج قويم نزرعه في النفوس وننشئ الأجيال مرة بعد مرة لمحاربة ما شاع في مجتمعنا من ازمات متتالية، لذلك شرّفني صاحب السماحة مفتي البقاع الدكتور الشيخ علي الغزاوي ان انقل اليكم خالص تحياته، ومن سيادتكم الى الآباء الأجلاء وسائر الرعية فرداً فرداً، واذ اعتذر لارتباطه بمواعيد أخرى كان يرغب ان يكون بيننا هنا، وانني اليوم اذ اوجه الكلمة باسمه، وفي آن معاً اوجه الكلمة باسم هذه البلدة بر الياس التي ما عرف اهلها الا الصفات الطيبة. بر الياس التي هي على لسان سيادتكم بشهادة عز وافتخار، قلتم وترددون حُقَّ لكل بلدة في ان تكون كبر الياس، وحبذا لو ان كل بلدة كانت كبر الياس. ومن بر الياس نقول لسيادتكم، هذه الشهادة وسام على صدورنا اذ تجري على لسان اهل الحكمة لما رأيتم من عناوين التلاقي والمحبة والأخوّة وصنع الأوطان.”
واضاف” وليس بالأمر العجب ان لا يكون بين الكنيسة وبين المسجد سوى أمتار، وما كانت الرسالات الا لتعلّمنا كيف يمكن ان نبني مجتمعنا. لقد قلتم اننا نسأل الله ان يهب حكام وطننا صحوة الضمير، وانا اليوم اقول لسيادتكم وللحاضرين، لعل الصحوة تنفع في المستيقظين، لكن من هم في سبات عميق يحتاجون الى صحوة بعد صيحة، وآن للصيحة ان تنزل على رؤوس الذين ناموا فأهملوا الشعوب ودمروا المقدرات وكدّسوا الثروات، ولا يحملون في أنفسهم لأبناء وطنهم الا الحقد والكراهية، فكلٌّ يبحث عن مصلحة نفسه ونسي ان الوطن بلا ابنائه ليس بوطن ولا يستطيعون ان يتحكموا بجنباته.”
وتابع ” سيادة المطران، الحضور الكرام
نحن نعايش اليوم أزمة حرفٍ، أزمة ثقافة، أزمة مبادئ وأزمة مرؤة وكرامة، وإذا لم تكن ايادينا متشابكة بسواعد قوية فإن هذه الأزمات ستقضي على اجيالنا المتلاحقة. في رحاب الصرح عندكم حاربتم الدعوات المشبوهة التي تهدم القيم في الأسرة، في رحاب الصرح عندكم قلتم لن نسمح لما يدمر الأسرة ان يكون عنواناً يتغنى به من شاء وكيف يشاء، وكذا الشأن في رحاب دار الفتوى ان نحصّن اسرنا والا يكون في مجتمعاتنا وبين ابنائنا أيا من الأزمات التي تقضي على عقول شبابنا. ماذا صنعوا بشبابنا؟ الكلمة من حرقة القلب، وهو همّ نحمله جميعاً ومسؤولية تقع على عاتقنا جميعاً. الهمّ شبابنا، ذكوراً واناثاً: ما حالهم في بلداتنا، في قرانا، في مجتمعاتنا؟ هالهم انهم قد استهوتهم الدنيا بما بيع لا ينفع الشباب. همّهم ان فقدوا قيم المروءة والأصالة وباتوا يلهثون خلف مادة بغيضة في الدنيا، فاذا بهم أسرى للحبوب المهلوسة والمخدرات، أسرى لبعض التوجهات القاتلة لهم في انفسهم لأي دين او طائفة او مذهب انتموا. هذه رسالة منظومة ومقصودة لدمار شبابنا، وبرقبتكم ورقابنا هذه المسؤولية الكبرى وأنتم لا تألون جهداً في محاربة هذه الظواهر التي تدمر عقول الشباب وتهدم ثقافتهم.
اليوم بين اهلكم في بر الياس نقول: بر الياس التي شهدت الحرب وما علمت اساءة من طرف لآخر، فكان هذا المقام حصناً لأهل الإسلام وكانت المساجد حصناً لأهلنا المسيحيين. بر الياس التي يتغنى بها من قصدها، وحضرة الأب ايليا قالها بلسانه ولسان اهل بر الياس ” من دخل اليها أصبح من اهلها، ادخلوها بسلام آمنين” هذه بر الياس التي شاء الله تعالى اليوم ان تضاء فيها نجمة جديدة لامعة في كبد السماء، ان تكون الثريا مضيئة في كبد السماء بتشريفكم وبمقدمكم، تقول لكم شباب بر الياس يشكون العمالة، يشكون قلة توفر فرص العمل، يشكون ضيق الموارد، وبالتالي يلجأون الى الطرق المنحرفة التي تضيعهم وتضيّع مجتمعاتنا. وكم من أب وأم بكوا على شبابهم؟ انا اعلم ان الأمر بحاجة الى تكاتف جهود، لكن لأننا نراك اهلاً للملمات توضع بين يديك، فأننا كما يقولون نكبّر الحجر بين يدي سيادتكم وأنتم اهل لها انشاء الله تعالى. هذه البلدة كسائر البلدات، شبابها يستصرخون واطفالها يتأوهون وكبارها يتألمون، من واقع دولة ما ارادت ان يكون هناك الا لغة، هي لغة البطش والجبروت، لغة السلاح المتفلت، لغة القوة بالعضلات، وكم من قوة عضلات قتلت صاحبها. هذه الظواهر الغريبة لم تكن في بلدنا حتى في ايام الحرب الأهلية. كان السلاح يوجه لمن يظن انه بينه وبين الآخر عداوة، ونحن ليس بين اهل الوطن عداوة. لكن اليوم بات أرخص شيء دم الإنسان، بات السلاح امراً للتسلية، والقتل بات امراً واضحاً، جليّاً، سهلاً، هيّناً ليّناً، وليس من عصمة لدمائنا الا بتكاتف سواعدنا.”
وختم فضيلته ” أقول لكم بلسان اهل بر الياس، أنتم اصحاب الدار وأنتم اصحاب المقام، شرّفتم اليوم لتتشرف بر الياس بمقدمكم ولنتبادل الهموم والشؤون والشجون، وعذراً ان كانت كلمتي جلّها شكوى لأن هذا هو الواقع، ومن تكلّم بغير واقعه فقد خان امانة الكلمة التي ينطق بها.
أكرر الترحاب بسيادتكم بين اهلكم، وان كان لا يُرحّب بصاحب الدار لكهنا الأصول واللياقة التي نشأنا عليها، فنرحب بخطواتكم التي وطأت ارضنا في بر الياس لنكون هنا في رحاب ضيافتكم واصالتكم وكرمكم، مع تقديرنا لهذه الخطوة العظيمة، وشكري وامتناني العميق لأخي حضرة الأب ايليا عون على هذا الجهد الطيب المتميز. في هذا اللقاء تندمج زحلة مع بر الياس مع كل قرى البقاع، وليكن شعارنا واحد ” خُلُقٌ في قوّة وقوّة في خُلُق ” وهذا ما تصنعه راية دار الفتوى والصرح البطريركي. دمتم في أمن وأمان وسلام، وأجرى الله الخير على يد سيادتكم والحاضرين الكرام، والسلام عليكم.”
المطران ابراهيم
المطران ابراهيم توجه الى الحضور شاكراً حفاوة الاستقبال وتحدث في مواضيع الساعة فقال:
” الله معكم. هذه التحية التي اوجهها عبر صاحب الفضيلة الى اخي وصديقي الذي احبه واعتز به سماحة مفتي البقاع الشيخ الدكتور علي الغزاوي الذي افتخر ان اكون زميلاً له في القيادة الروحية في هذه المنطقة الغالية من لبنان.
حضرة المدير العام لويس لحود، اصحاب السماحة، الدكتور عاصم عراجي صديقنا منذ زمن طويل، الأصدقاء الأعزاء، رؤساء البلدية السابقون، ابناء رعيتنا المحبوبة، اخوتي الكهنة، ايها الأحباء، عندما نحيي بعضنا بتحية اللبناني الأصيل بكلمة “الله معك” ، فذلك يعني ان الله ليس فقط معك، بل ان الله موجود فيك وانت على صورته ومثاله خٌلقت، لذلك عليك وعلينا ان نعكس صفات الله في صفاتنا وفي اعمالنا لكي نكون قيمة مضافة في هذا المجتمع تضاف ايضاً على الوطن وعلى ما يشكله هذا الوطن من جماعة مواطنة تهتم ليس فقط بالأرض وما تمثله في التاريخ والحضارة، وما تمثله هو لبنان اغنى من كل بلدان الأرض فيها، لذلك كان دائماً محط آمال الغزاة والفاتحين لأنهم عرفوا فيه كل الغنى وكل الجمال الذي احبوا ان يضموه الى ما يملكون، لكنهم عجزوا عن تحريكه من مكانه وعن حرفه عن مبادئه وقيمه التي حافظ عليها مدى الأجيال ومدى التاريخ.”
وتابع سيادته ” لبنان اليوم مجروح، وكما قال صاحب السماحة، مجروح بمسؤولين لم ينم الضمير فيهم فحسب لكنهم ناموا معه، على كل المساوئ التي يمثلونها، حتى ما عدنا نستطيع ان نصفهم بالفاسدين فقط، لكن علينا ان نقول الحق والحق يقال بأنهم مجرمون، وجريمتهم يجب ان تلقى العقاب. فالله قبل كل شيء عدالة وليس فقط رحمة، نحن نريد لهم الرحمة لكنهم لم يريدوها لذواتهم، فاختاروا عقاب الله لهم، وان عجزنا عن تنفيذه نحن فان الله ليس بعاجز ابداً.
انه الله الكلّي القدرة، الذي إذا ما مد يمينه يستطيع تغيير مسار الأمور بكلمة واحدة من فمه الإلهي، او بإشارة واحدة من عقله السامي، انه الله الذي لا حدود له والذي لا يمكن ان ندركه لا بعقلنا ولا بقوة ايماننا.
ونحن ندعوكم ايها الأحباء الى هذا الإيمان، عل ضعفه، كما قال احدهم للسيد المسيح “يا رب انا اؤمن فأعن قلّة ايماني ” . كلنا اصحاب ايمان قليل لكننا نحن ابناء الله لذلك علينا ان نعوّل على هذا الإيمان الذي فينا في تغيير مسار ما هو فينا وحولنا كي يعود لبنان وعودة الأسرة فيه الى سابق عهدها، وتغيب عنه صور لم نعتد حتى في المخيلة ان نراها، في وسائل اعلام او في افواه مسؤولين مع الأسف، او في مسار ومسيرة شباب، لذلك نرى ان الموضة التي تأتي من الخارج تغلب فينا على الدين الذي يقوم صراطنا ليستقيم. لذلك نرى اليوم الكثير من الشباب في العالم يريدون ان يكونوا ما لم يردهم الله أن يكونوا، خلقهم ليكونوا انثى او رجل لكنهم يريدون تغيير ما اراده الله لهم، وآخر نغمة لا يقبلها عقل ولا منطق ولا دين ولا مبادئ، اصبحوا يريدون ان يكونوا كلاباً او هررة او حيوانات وسواها، وكأن الله يريد ان يقول لنا في التغيير المناخي ايضاً، ان البشرية لا تعمل ما هو لصالحها وأن الآتي قد يكون ليس على قدر آمالنا، ونحن يجب ان نصحو الى ذواتنا فالخطر الذي يأتينا من داخلنا هو اكبر بكثير واخطر بكثير من اي خطر يأتينا من الخارج. ولأننا نحصّن ذواتنا ما زال في لبنان اهل خير نرى الكثير منهم في بر الياس، وكما قلت مؤخراً في الحفل الذي اقمتموه في زحلة، انه لو كانت بر الياس في كل قرية وفي كل مدينة لبنانية لكان لبنان مئات المرات أفضل مما هو عليه اليوم، لكان لبنان في شبه كمال، وبر الياس لا تعيش موجة لقاء انه اللقاء الدائم مدى الأجيال التي عبرت والى الأجيال التي ستأتي. هذه هي قوة هذه البلدة الأنموذج الذي على اللبنانيين اينما كانوا ان يحتذوه لكي يكونوا للبنان ذخراً وقوة، ولكي يصيروا هم مجد لبنان وكرامة الوطن والمواطن.”
وختم المطران ابراهيم ” اشكركم جميعاً على اصغائكم وعلى محبتكم، على استقبالكم وعلى كل هذا الكمّ من الإيمان الذي تنشرونه بين اضلعكم وبين بعضكم البعض. ومن جديد أحيي أخي، وعندما اقول أخي اعني أخي، لأنه انسان مميز وأنا اسعد وافتخر ان اكون له اخاً، هو صاحب السماحة مفتي البقاع الشيخ الدكتور علي الغزاوي الذي رغم انشغالاته قد يغيب عنا بالجسد لكنه لن يستطيع يوماً ان يغيب عن قلبي وعن قلوبكم.”