قمة مجموعة بريكس… قرارات مصيرية
تتجه الأنظار الى جوهانسبرغ التي ستشهد انعقاد مؤتمر القمة الخامس عشر لدول مجموعة بريكس خلال الفترة 22-24 من شهر آب الحالي، وتحظى هذه القمة باهتمام منقطع النظير نظراً لما قد يترتب عليها من نتائج وقرارات في ظروف اقتصادية وسياسية حساسة، ناهيك عن المشاركة الواسعة لأطراف من خارج المجموعة بما فيها العشرات من الدول وممثلي المنظمات الأممية والدولية، ويشير ذلك الى تنامي قوة وتأثير هذه المجموعة التي تشارك فيها الدول التي توصف حالياً بأنها رافعة النمو الاقتصادي العالمي وبالتالي أصبحت تشكل حاضنة آمنة من الازمات الاقتصادية العالمية ومتنفساً وملاذاً للدول التي ترى ضرورة كسر سياسة العقوبات والهيمنة الاقتصادية لدول بعينها على الاقتصاد العالمي.
من أهم بنود جدول أعمال القمة المنتظرة النظر في مبادئ ومعايير توسع المجموعة عبر قبول أعضاء جدد، ويذكر بهذا الخصوص أن هناك ثلاثاً وعشرين دولة تقدمت بطلبات رسمية للانضمام الى مجموعة بريكس، ومن أهمها المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة، الجزائر، إيران، الارجنتين، كازاخستان وغيرها، ولا شك بأن الدول الطامحة للانضمام للمجموعة تسعى لتحقيق منافع اقتصادية وسياسية بما فيها السعي لتوسيع خياراتها وعلاقاتها التجارية والاقتصادية بما يقلص أثر أي أزمات اقتصادية مستقبلية ومتنفس لتجاوز العقوبات الاقتصادية هذا بالإضافة الى محاولة الحصول على تمويل من خلال بنك التنمية الجديد بشروط أفضل من تلك التي تفرضها المؤسسات الخاضعة لسيطرة الدول الغربية.
أما الأعضاء الحاليون في مجموعة بريكس فان التوسع واضافة الى توفير مزيد من البدائل سوف يمنح المجموعة شرعية أكبر وقدرة على السعي نحو تحقيق نظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة، وكل ذلك بالطبع يعتمد على مدى ملاءمة المعايير والاسس التي يتم اعتمادها لغايات التوسع مع الحفاظ على تماسك وتوافق المجموعة حول خياراتها المختلفة، أما ما يطرح حول كسر الهيمنة الغربية أو هيمنة الدولار ودوره في الاقتصاد العالمي فيبدو مبالغ به وفكرة تقليص الهيمنة تبدو هي الأقرب للواقع، فالولايات المتحدة وحلفاؤها لا تقتصر نقاط قوتهم على الدولار بل تشمل أيضاً المؤسسات المالية الدولية ونظام التحويلات المصرفية وعدد كبير من الشركات والمصارف العالمية وغيرها من العوامل.
في ضوء المعطيات المتاحة من المتوقع أن أبرز النتائج التي سوف تتمخض عن القمة المرتقبة تتلخص في توطيد العلاقات التجارية وتعزيز التعاون الاقتصادي ومواصلة تنسيق المواقف السياسية بين الدول الاعضاء، كما أنه من المرجح أن تتم الموافقة على ضم دول بعينها للمجموعة وأن لا يشمل ذلك كل من تقدم بطلب الانضمام، وكذلك التوافق على أسس وإجراءات وشروط واضحة ومحددة لضم أعضاء جدد مستقبلاً، ومن غير المستبعد أن يتم اللجوء الى صيغة بريكس بلص لزيادة التنسيق والتعاون مع الدول الراغبة في الانضمام للمجموعة ولم تستكمل الشروط المطلوبة.
وفي الوقت الذي يصعب القول أنه سيتم اعتماد قرارات مصيرية بشأن أنشاء أو اعتماد عملة موحدة، الا أن نهج استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية بين دول المجموعة سوف يحظى بدعم واضح وقد يتوسع ليشمل دولاً أخرى صديقة، هذا بالإضافة الى السير قدماً نحو انشاء نظام تحويلات مالية أكثر استقلالية، وبغض النظر عن مدى دقة هذه التوقعات الا أن الواقع يشير الى أن مجموعة بريكس أصبحت ذات تأثير ملحوظ على التطورات الاقتصادية العالمية وهي تسير بخطىً ثابتة نحو تحقيق أهدافها.
تحقيق المصالح المشتركة لمختلف الدول والتكتلات الاقتصادية العالمية يتطلب الابتعاد عن منطق التنافس الصفري والتحدي والهيمنة والعقوبات التي تسبب المعاناة لمواطني البلدان المختلفة والتركيز على ما يؤدي لتعميق التعاون البناء الهادف الى اصلاح المنظومة الاقتصادية العالمية بما ينعكس ايجاباً على مختلف الدول ويساعد في تجنب الازمات الاقتصادية والمالية العالمية ويساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي مع التركيز على المصاعب والتحديات التي تمثل أولوية للدول كافة مثل تلك المتعلقة بالمناخ والاقتصاد الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة وغيرها من التحديات الوجودية التي تواجه العالم وتهدد مسيرة تطور البشرية.