أمسية صلاة وتأمُّل برعاية البطريرك الراعي على نية الكنيسة الكلدانية في العراق
احيت أبرشية بيروت الكلدانية أمسية صلاة وتأمُّل على نية العراق والكنيسة الكلدانيَّة فيه، برعاية وحضور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وبركة رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي. بحضور البطريرك يوسف العبسي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الكاثوليك، كما مثل البطريرك مار رافائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان بطريرك كيليكيا للأرمن سيادة المطران جورج اسادوريان، والمطران قسطنطين كيال رئيس دير مار الياس – شويا ممثل غبطة البطريرك يوحنا العاشر يازجي بطريرك انطاكيا للروم الأرثوذكس، والمطران جورج صليبا ممثل بطريرك السريان اورثذوكس مار افرام كريم وعدد من الاساقفة ورؤوساء الكهنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات وعدد من رجال الدولة والسياسة والقوى الأمنَّية وممثلين عن احزاب ومؤسسات اجتماعية وتربوية، ومؤمنين، في كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا -برازيليا شارع بيار الحلو.
بداية القى النائب الاسقفي العام المونسنيور رافائيل طرابلسي كلمة ترحيب جاء فيها:
“إنَّ كُلَّ ما تسألونه في الصلاة، فآمنوا بأنه يكون لكم فيكون”(مر 24:11)
هذا الوعدُ الإلهيُّ هو الذي يدفعنا لنعقد اليوم محفلاً روحيّاً، ترتقي فيه قلوبُنا وأفكارُنا ونيّاتُنا الى العُلى، حيث عرشُ الحمل الفصحيِّ (رؤ3:21) تخفُّ به طغماتُ الملائكة القديّسين. نودعُهُ نوايانا وهمومنا وأشجاننا ونكِلُ الى عنايته عراقَنا الحبيب وكنيستنا الكلمى. وشعبَنا المجاهد وحكومتنا ورؤساءنا المدنيين: “مكلّمين بعضنا يعضاً بمزامير وتسابيح روحيَّةٍ ومرنّمين في قلوبنا للربَّ” (أفس 5/19)”.
ثم رفعت الصلوات والقراءات.
والقى المطران قصارجي كلمة جاء فيها: “هذا ايماننا وهكذا نحن كنا وسوف نبقى، ثقة مطلقة بالله. هو وحده أبينا السماوي القادر ان يحمينا. المسيحي لا يوجد في قاموسه شيء اسمه خوف وقلق واحباط”.
وتابع: “يا رب نحن نعرف انه كل ما اشتد الضيق والمحن، وكل ما العواصف العاتية اشتدّت ستبقى منافذ مفتوحة في السماء. وكلما كبر الألم، سيكون الأمل أكبر. ونعرف ان كنيسته باقية مدى الدهر”.
وقال: “وهل تأخرنا؟ يا رب كم انت صبور، احياناً نتعجّب رغم كل شي إنك ما زلت تحبنا. صلاتنا الليلة لك نرفعها، يا مسيحي، يا مشرقي، امْح من قاموسك كلمة احباط، لا تقول انك غير قادر. يا مسيحي، يا مشرقي، انت لم توجد هنا بالصدفة، انت جوهرة ثمينة، انت رقم صعب، انت ملح في هذه الدنيا، نفوض عنك الاستسلام، يسوع بدمّه على الصليب فداك، وانت يا رب ملجأي وترسي واملي، انا في وَسَط هذه الضيقات والمحن والاضطهاد، اعرف ان الضيق سينتج الصبر، والصبر سيجعلنا نفوز بالامتحان والنصر سيعطينا الرجاء، وبعد الرجاء توجد القيامة”.
وقال: “هو الروح القدس الذي يقود سفينتنا لميناء الخلاص، هو الروح القدس الذي يعرف اخطار الطريق وهو وحده قادر أن يحافظ على كنيسته وشعبه. الله وضعنا على هذه الارض المقدسة أرض ابراهيم النبي، ارض أور الكلدانية، الروح هو الذي يلهمنا، لن نستسلم والرب هو الذي يحمينا. ابسط يا رب يمينك وباركنا، وبارك أمسيتنا، بارك رعاتنا، بارك كهنتك ومكرسيك الذين يحملون بشارة انجيلك، بارك العراق وشعبه، بارك الكنيسة الكلدانية، بارك لبنان، بارك بلداننا”.
واردف: “كنيستنا في العراق تمر بظروف صعبة. سنصلي كلنا، الرب قادر على تغيير كل الظروف، الاصرار يقوي الارادة، والصلاة هي مفتاح كل شي، اكيد سننتصر ولن نستسلم.
يا رب السلام ضع السلام في قلوبنا، دعنا نتحسس لمستك ونشعر اكثر بوجودك، كم انت كبير وعظيم يا رب، كم انت خيّر وقدوس. ايماننا عظيم فيك، ايماننا ثابت متل الصخرة، مهما اشتدّت التجارب، سنبقى هذا الزرع ببلداننا، بعراقنا وبلبناننا. لا يوجد يأس معك يا رب، ما في حزن، ما في خوف وهمّ. يسوع هو الأمل المطلّ من عند الرب. هو الفرح الذي ملّأ قلوبنا وهو القوة التي تزيدنا عزم وصلابة وايمان”.
وقال: “اليوم، لا يجب ان ننسى إنه لا يوجد حضارة لا في اوروبا ولا في الشرق الأوسط ولا في لبنان، لو لم يرتفع هذا الصليب على الكنائس والجبال وحِمل الفنون والأدب والشعر واللحن والصوت والتاريخ والهندسة واللغة والعلوم والمدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات ودور الأيتام ودور الحضانة”.
وختم: “سيدنا البطريرك لويس ساكو ومثل كل الذين سبقوا على مر الزمان ساهموا برفع اسم الكنيسة الكلدانية بالعراق وبالعالم. الكنيسة في الأول ومن ثم الكنيسة والدولة هما ضمانة استمرارية هذا الشرق، واؤكد لكم إن اجراس الكنائس ونضال رجال الدين ورجال السياسة سيكونوا خميرة استمراريّة هذه الأرض المباركة، التي هي رسالة لكل الكون. لنصلي الليلة على هذه النية. آمين!”.
والقى البطريرك الرَّاعي عظة جاء فيها: “أخرج من هذا الإنسان أيّها الروح النجس” (مر 5: 8)
1. وحده يسوع استطاع بأمر منه، أن يخرج مجموعة الشياطين من ذاك الرجل في منطقة الجراسيّين، فيما لم يكن يقدر أحد أن يوثقه حتى بالسلاسل التي كان يحطّم قيودها. هذه الآية تدلّ على أنّ المسيح الربّ قادر أن يحرّر الإنسان من قيود الشرّ والشرير، مهما عظمت، وأن يعيد إليه اسمه وهويّته. في الواقع كان الروح النجس يتكلّم بلسان ذاك الرجل. ولـمّا سأله يسوع عن اسمه قال: “نحن فرقة لأنّنا كثيرون”. ولـمّا أخرجه يسوع أعاد لذاك الرجل اسمه وهويّته وحالته السليمة، كما عرفه اهل تلك الكورة.
عالم اليوم ولا سيّما حكّامه، يضعون الله جانبًا، ويستغنون عن رسومه ووصاياه، ويستسلمون لمصالحهم على حساب الخير العام، ويقترفون الظلم والإستبداد ويشعلون نار النزاعات والحروب، من دون أي وخز ضمير. وهذا يعني أنّ قوى الشرّ والشرير مسيطرة عليهم.
2. إنّ رسالة المسيح ربّنا تهدف إلى تحرير كلّ إنسان من الأرواح الشريرة، ومن تجارب الشيطان. فعندما كان يرسل تلاميذه، كان يمنحهم السلطان لطرد الأرواح الشريرة. وهو نفسه طرد هذه الأرواح مرّات عديدة. وسلّم كهنة العهد الجديد هذا السلطان عينه، فراحوا يمارسونه بما يُسمّى “صلاة التعزيم”، بدءًا من المعموديّة.
قليلون يؤمنون بوجود الشيطان وباستحواز الأرواح الشريرة على الأشخاص والأشياء. وإن آمنوا يعتبرون أنفسهم بمنأى عنها، حتى ولو استسلموا لكلّ عمل شرير، وللأهواء الشريرة. لذلك كثر الشرّ، ولا من مسؤول. وبات الناس يعيشون في سلسلة من الخطايا التي يقترفها الأشخاص ولا يتوبون عنها.
3. هنا تكمن مآسي البلدان والشعوب. ومن هذا المنظار نتطلّع إلى مأساة العراق العزيز وشعبه والكنيسة الكلدانيّة فيه وسائر الكنائس والمسيحيّين. وهذه مآسينا في سوريا والأراضي المقدّسة ولبنان، حيث تجلّى الله بعهديه القديم والجديد، وأرسى جذور الثقافة المسيحيّة التي أغنت هذه البلدان بحضارتها. فإنّنا بحكم رسالتنا الإنجيليّة في هذه البلدان، حيث أرادنا الله أن نكون، نبقى ثابتين وراسخين في الإيمان والرجاء والمحبّة، ومصمّمين على العيش معًا بروح الأخوّة والتعاون والإحترام المتبادل مع جميع المواطنين.
4. إنّ مواهب الروح القدس السبع التي سمعناها في نبوءة أشعيا تحيي فينا الفضائل الإلهيّة الثلاث التي هي بمثابة مصابيح لحياتنا. فالحكمة والفهم والمعرفة تضيء إيماننا وعقلنا، والمشورة والقوّة تعضدان رجاءنا وإرادتنا، والتقوى ومخافة الله تذكيان المحبّة في قلوبنا.
وكما أنّ فضائل الإيمان والرجاء والمحبّة معطاة من الله لكلّ إنسان، كذلك مواهب الروح القدس السبع مفاضة على البشريّة جمعاء. فإنّا نصلّي كي يفتح كلّ إنسان عقله وإرادته وقلبه لهذه الفضائل ولمواهب الروح القدس، فيجد طريقه إلى الحقّ والعدل والجمال. وهكذا يعيش جميع الناس سعادة الأخوّة والعيش معًا كما يصفها آشعيا النبيّ في القراءة التي سمعناها (أش 11/1-10). وعندئذٍ نتمكّن بقوّة سلاح الله الذي هو كلمته وإنجيله والحقيقة من الإنتصار على روح الشرّ والشرير (راجع أفسس 6: 10-17).
5. تقبّل الله صلاتنا وأغدق عطيّة السلام على العراق العزيز، والكنيسة الكلدانيّة الشقيقة، بطريركا واساقفة واكليروسا ومؤمنين وعلى بلدان الشرق الأوسط وكنائسنا. له المجد والشكر الآب والإبن والروح القدس الآن، إلى الأبد، آمين”.
وأخيرا، أعطيت البركة الختامية.