المطران ابراهيم احتفل بعيد البشارة في الكلية الشرقية: اذا اردنا ان نكون على مثال مريم علينا ان نفتح قلوبنا للله ونقول نعم للملاك. مرفوض نهائياً ان نقفل مدارسنا…
احتفل رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بعيد بشارة مريم العذراء، واليوبيل ال 125 لتأسيس الكلية الشرقية، فترأس صلاة الغروب والقداس الإحتفالي في كنيسة البشارة في الكلية، عاونه فيه رئيس الكلّية الأب الدكتور شربل اوبا والآباء جاورجيوس شبوع، الياس الخوري وجيمي جبور وخدمته جوقة من طلاب الكلية الشرقية بحضور ججمهور كبير من المؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس القى المطران ابراهيم عظة هنأ فيها الكلية الشرقية بعيدها، وهنأ الذين يحتفلون بالعيد وتطرق الى امور حياتية ومما قال :
” في هذه الأيام ينقصنا ان تفتح الناس قلوبها لبعضها البعض، ولكن بنوع خاص ان تفتح قلوبها للله لأن الله يكلمنا في قلبنا كما كلّم مريم منذ الصغر ودعاها لكي تكون مكرّسة للرب في الهيكل الى حين ان خطبت يوسف وانتقلت الى بيته، هناك ظهر لها ملاك الرب.
عيد البشارة الذي نحتفل به اليوم، ابتدأ في هذا البيت الصغير، لربما كان غرفة واحدة كما البيوت القديمة، هناك كانت السعادة اكبر مما قد نجده في القصور اليوم، السعادة بأن تكون العائلة ملتئمة، بأن يكون الأبناء مع الأهل في بقعة صغيرة تسمّى البيت، المنزل الذي تحدث عنه يسوع وقال ” في بيت ابي منازل كثيرة ” لكن هذه المنازل السماوية لديها منازل تشبهها على الأرض لأن فيها تلتئم العائلة، والعائلة هي على صورة العائلة التي في السماء، الآب والإبن والروح القدس الثالوث الأقدس يشكّل عائلة لاهوتية، روحية، الهية، قدّوسة، هذه العائلة فيها الآب والإبن الذين يجمع بينهما الروح القدس وهو الحب الذي يملأ كل شيء وكل مكان، والذي نزل على مريم في عيد البشارة وامتلأت من الروح القدس، قبل التلاميذ بفترة طويلة.
العنصرة بدأت مع مريم في ذلك البيت الصغير حيث امتلأت من الروح القدس وظهر لها ملاك الرب وقال لها ” لا تخافي ” . نحن في تقليدنا المسيحي نرسم الملاك احياناً او ننحته بشكل طفل صغير يوحي لنا بالهداوة والسلام والقرب منا. هذا الملاك الحارس ليس طفلاً كما نحن نعتقده لأن التقليد الكتابي مغاير كلياً للتقليد الشعبي، في التقليد الكتابي الملاك كان مارداً مدججاً بالأسلحة التي لا نعرفها وكان مخيفاً جداً، لذلك خافت مريم فقال لها الملاك ” لا تخافي يامريم ” واضاف ” السلام عليكِ يا مريم ” . وكما قال المسيح ” سلامي اعطيكم، لا كما يعطيه العالم” فاعطى سلامه لمريم بواسطة الملاك جبرائيل قبل وقت كثير من اعطائه لتلاميذه.
واضاف ” تخيّلوا معي الأشخاص الذين نعتبرهم صغاراً في العالم، نعتبرهم فقراء، هؤلاء الذين ليس لديهم احد، بالكاد يلبسون ثياباً لكي يظهروا بمظهر الكرامة،هؤلاء الذين ليس لديهم طعاماً اليوم جرحهم عميق ويخجلون ان يعبّروا عن حاجتهم لأن كرامتهم لا تسمح لهم بذلك، واحياناً الميسورين لديهم دناوة غير موجودة عند الفقراء والمحتاجين. الفقراء لديهم كرامة وعزة نفس ورفعة لا تسمح لهم بمد اليد لطلب المساعدة، لذلك نرى الكثير من الفقراء يتألمون ايضاً وايضاً كل يوم اكثر من الذي قبله، وليس لديهم احد يساعدهم. مريم كانت واحدة من هؤلاء، مريم لم تكن صبية غنيّة، كانت وضيعة وهي قالت ذلك عن نفسها، ” انا أمة للرب” اي خادمة للرب اي خادة للآخرين، وبرهنت مريم ان خادم الرب هو خادم للآخرين بما فيهم خدام الهيكل من كهنة واساقفة. لذلك مريم برهنت عن الكلمات التي قالتها بخدمة الآخرين وذهبت الى اليصابات لكي تخدمها في حَبَلها بيوحنا المعمدان، وامضت لديها اياماً طويلة لتخدمها، ويجمع بينهما العقر، مريم لديها عقر آتٍ من الطهارة اي انها لم تعرف رجلاً وحملها كان من الروح القدس، واليصابات كان حملها اعجوبة وهي المدعوة عاقراً كما سمعنا في الإنجيل المقدس.
اذا كنا نريد ان نكون على مثال مريم ، نقول معها ” لأن الله نظر الى تواضع امته “، علينا ان نكون متواضعين كمريم، علينا ان نكون مريميين، واضافت مريم ” فها منذ الآن تغبطني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي العظائم واسمه قدّوس ” . لا احد منا يستطيع ان يفعل شيئاً بدون الرب، ليس هناك اعظم من اعمال الرب فينا. اذا اردنا ان نكون على مثال مريم في يوم عيدها، في يوم البشارة، علينا نحن ايضاً ان نفتح قلوبنا للله ونقول نعم للملاك. وهذا الملاك المخيف بحسب التقليد الكتابي صار لمريم لمسة الهية تحمل السلام وتحمل النِعمة التي ملأت مريم وملأت بالتالي كل الناس، ولولا حلول الروح القدس على مريم العذراء لما تم الخلاص، ولكي يتم الخلاص فينا يجب ان نكون على مثال مريم في الطهارة، اناءً مصطفى.”
وتابع سيادته ” اشكر اصغاءكم، وانا سعيد جداً لوجودي معكم بعد مضي سنة على احتفالي بالقداس معكم في هذه الكنيسة الجميلة في الكلية الشرقية، بدعوة من كاهن احبه جداً، الأب شربل أوبا الذي يقدّم كل الجهود لإكمال مسيرة التربية والتعليم في زمن صعب، فالمدارس كلها مخضوضة وتعبانة لكن لا نستطيع نحن كرهبانيات ان نعلّم فقط عندما تكون مدارسنا تربح، هذا امر غير مقبول، انا مسؤول عن كلامي، الأمر غير مقبول ان نخدم فقط عندما يكون هناك مردود مالي. علينا ان نتعاون جميعاً مهما تعبت مدارسنا لكي تستمر، من غير المقبول ومرفوض نهائياً ان تقفل مدارسنا خصوصاً التي تخدم ابنائنا من كل الطوائف، فاذا اقفلنا هذه المدارس كما يهوّل البعض اليوم في بعض القرى نكون نشجعهم على الهجرة وترك ارضهم. الرهبانية التي اتخذت قراراً بإقفال مدرسة يجب اقفالها، فنحن لا نعيش للخدمة في اوقات الراحة، علينا ان نتعاون جميعاً، لكن هذه الحالة لا تسمح للناس بأن يستغلوا المدارس، على القادر ان يدفع لكي يستطيع الغير قادر ان يستفيد. كلنا اليوم امام وقفة ضمير في لبنان، فلكي تستمر مدارسنا علينا ان نحمل بعضنا البعض، لا ان نضع كل الحمل على المدارس ولا على المؤسسات المانحة ولا على الأهل والمعلّمين، يجب ان يكون هناك توازن واتزان في التعامل مع هذه الأزمة الصعبة. نحن نمر في صعوبات مصيرية وجوهرية في هذا الوطن وبحاجة الى ان يأتي ملاك ويبشّرنا بنهاية الأزمة.”
وختم المطران ابراهيم ” نصلّي اليوم على هذه النيّة لكي يأتي الملاك ويبشرنا بنهاية الأزمة في لبنان، هذا الوطن الذي يستحق كل الكرامة والمجد، وطن الأرز، وطن الكتاب المقدس، وطن الحضارة، وطن العطاء، وطن الإنسان . في بلاد العالم الواسعة هناك امكان يتواجد فيها اناس كثيرون لكنها فارغة من الإنسانية، نحن لدينا انسانية بالرغم من صغرنا اكثر منهم بكثير وهذا ما علينا ان نتمسك به ونفتخر به ونقول لأولادنا انه لو جلتم في العالم اجمع واعتقدتم ان احلامكم تتحقق بالسفر، انتم مخطئين، ليس هناك مكان في العالم اجمل من وطنكم الذي اسمه لبنان.”
وفي ختام القداس بارك المطران ابراهيم القرابين وانتقل الجميع الى صالون الكلية الشرقية حيث تقبلوا التهاني بالعيد.