لبنان إلى أين، سياسيًّا واقتصاديًّا في مطلع العام ٢٠٢٣ ؟!
لبنان إلى أين، سياسيًّا واقتصاديًّا في مطلع العام ٢٠٢٣ ؟!
الجزء السادس عشر
الخبير في الشؤون الانتخابية الأستاذ ربيع الهبر: الأفق مسدود على كل الصعد، ونحن أمام أزمة وجودية ولا اتفاق حاليًّا على الذهاب لمؤتمر تأسيسي، والعام ٢٠٢٣ سيكون عام الفراغات، وسيكون أسوأ من العام السابق على كل الصعد!
حمود:
نستمر في نشر هذه الأجزاء المُتتالية من هذه السلسلة التي حاولنا فيها سبر الآفاق السياسية والاقتصادية للعام ٢٠٢٣، عبر مداخلات قيّمة لنخب سياسية اقتصادية، حقوقية، إعلامية وفكرية لبنانية، توجّهنا إليها ببعض الأسئلة عن التطورات السياسية والاقتصادية المُمكنة في لبنان في المرحلة القادمة. ونقف اليوم عند مداخلة قيّمة جدًّا للصديق ربيع الهبر، وهو شاركنا في معظم المحطات السابقة، منذ انطلاق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، حيث نظّمنا بمشاركته، في العام ٢٠١٨ بعد الانتخابات النيابية الماضية، ندوة حول قانون الانتخابات النيابية على أساس النسبية بمشاركة الوزير السابق مروان شربل، والوزير السابق شربل نحاس، والخبير الانتخابي الأستاذ محمد شمس الدين، وتناولنا في تلك الندوة أهمية تطبيق قانون النسبية في لبنان وإيجابياته وسلبياته، بالنسخة المشوّهة التي اعتُمدت يومها، وشاركنا فيما بعد في كل المحطات التي طرقنا فيها بابه، لسبر أي قانون انتخابي أفضل للبنان؛ وما هو مستقبل لبنان اقتصاديًّا واجتماعيًّا ومعيشيًّا في ظل التدهور الحاصل، وحول أزمات وملفات ومشاكل أخرى حاولنا مقاربتها في الملتقى، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المودعين وقضيتهم.
ولمن لا يعرف الصديق ربيع الهبر فهو خبير إحصاء، وسابر آراء، وخبير انتخابي لبناني، عمل على تطوير العديد من النظم الانتخابية في لبنان والعالم العربي، شارك في عدة مؤتمرات عالمية ودَولية في هذا الخصوص.
والصديق الهبر حاصل على إجازة وماجستير في الرياضيات والإحصاء من جامعات كندا عام ١٩٩٣. وقد حصل على ماجستير في العلوم السياسية في لبنان عام ١٩٩٠.
أسس عام ١٩٩٤ “شركة ستاتيستكس ليبانون المحدودة للإحصاء” ( وهي رائدة في هذا المجال)، وحيث تقوم بتنفيذ المسوحات العامة واستطلاعات الرأي الميدانية في لبنان. له عدة مؤلفات ودراسات انتخابية، واشتهر واحدًا من أبرز الإحصائيين الانتخابيين في لبنان منذ ١٩٩٦ حتى ٢٠٢٢. كما أسس في العام ٢٠٠٦ “موقع ليبانون فايلز الإخباري الإلكتروني”.
وسوف تتفاجؤون جدًّا بتقييمه السلبي جدًّا للأوضاع السياسية والاقتصادية في الأيام القادمة في لبنان، وهو هنا يلتقي مع آراء النخب والأصدقاء الآخرين الذين استشرفنا رؤاهم وتقييمهم للأوضاع. وهو يرى بحسب دراساته المُعمقة أن العام ٢٠٢٣ سيكون أسوأ بكثير من العام ٢٠٢٢ ، ويختم الهبر بتأسفه على قول الحقيقة، وبرأيه أن العام ٢٠٢٣ لن يحمل الحلول التي ينتظرها اللبنانيون.
الهبر:
افتتح الهبر مداخلته بتوجيه التحية للقيّمين على الملتقى وعلى رأسهم منسّق الملتقى ورئيس جمعية ودائعنا حقنا الدكتور طلال حمود على كل الجهود الوطنية الهادفة للدفع نحو الحوار الوطني العابر للحدود، وعلى طرح كل الأزمات والإشكاليات التي تُقلق اللبنانيين، والسعي للبحث في حلول لها.
ورأى الخبير الهبر أن الوضع الحالي في مطلع العام ٢٠٢٣، هو أننا على مفترق طرق خطر جدًّا، فإما انتخاب رئيس جديد للجمهورية من خلال الطبقة والقوى السياسية الحالية الراهنة؛ وهو أمر مُستبعد، ولا يظهر بحسب المعطيات أن هناك حَراكًا جِدّيًّا داخليًّا أو دَوليًّا للوصول إلى ذلك، وإن كُنّا نسمع عن لقاء هنا ولقاء هناك حول لبنان وأوضاعه السياسية والاقتصادية وما إلى ذلك؛ ولكن ذلك لا يمُكن أن يوصلنا إلى الحلّ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية لأسباب متعددة، خاصة تلك المتعلقة بتركيبة المجلس النيابي الحالي الذي فقدت فيه كل القوى الأساسية الداخلية تقريبًا القدرة على التأثير بشكلٍ كبير، وعلى تكوين أكثرية حاسمة. فنحن في مشكل وجودي على كل الصعد السياسية والاقتصادية والمعيشية.
وأضاف الهبر: إنه من الصعب أيضًا لبننة الاستحقاق، لأن الخلافات بين الفرقاء كبيرة، ولا حظوظ لشخصية على أخرى للوصول إلى كرسي الرئاسة، ولا سيَّما من الأسماء المطروحة بصفتهم مرشحي تحدٍ بالداخل، لأنه يتمّ تسييسهم بسرعة، وهناك انقسامات كثيرة حولهم! ونحن لن نكون أمام وضع مُؤاتٍ لإيجاد حلّ للأزمة بالسرعة المطلوبة. والحلول تكمن في إيجاد صيغة كاملة للحل على كل الصُعد السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية وغيرها؛ وهذا يتطلّب معايير مُرتبطة بمناقشة وضع صيغة لوجود مُستدام للبنان، ولإعادة تحديد دوره المستقبلي، وليس لحلول مؤقتة، والتجارِب شهدت على ذلك، وليس هذا التطرف والتجاذب بين الأفرقاء إلا بسبب المصالح التي تُفرّق وتجمع!
وأكمل الهبر أنه لا يرى أن هناك رؤية للتوافق بين الأحزاب والقوى المسيحية المختلفة، سواء القوات أم التيار أم الكتائب، حتى عند البطريركية.
أما الأزمة المالية فلا حلّ لها، خصوصًا بعد ضياع فرصة تطبيق خطة التعافي السابقة التي كانت أقرًتها الحكومات السابقة (مثل خطة حكومة الرئيس دياب)، وبعد الامتناع عن تسديد الديون، لأن ذلك وضعنا أمام مُفترق طريق خطر، ووضعنا أمام تراجع الثقة الدَّولية بالدولة اللبنانية.
وبغياب الاتفاق مع صندوق النقد الدَّولي حتى اليوم، ستزداد الأمور تعقيدًا، ولا يبدو أن هناك نية لذلك.
أما خطة التعافي التي لم تقر ولم تنفّذ فقد دفعت الأمور نحو التعقيد أكثر وأكثر. وفيما يخصّ المُؤتمر التأسيسي فلن يقبل أغلب الأطراف الذهاب إليه، ولا توافق داخلي عليه بحسب المعطيات الموجودة حاليًّا، ولا أحداث بعد تضطرنا لذلك، وهو موضوع يطرح إشكالات كبيرة لدى الكثير من القوى السياسية والحزبية.
وأضاف الهبر : إن العام ٢٠٢٣ عنوانه الرئيس هو “الفراغ، بل الفراغات” في العديد من المراكز الحسّاسة، وهو لن يكون عامًا جيدًا أبدًا، ولن يكون بداية حل كما نتمنى جميعًا، بل هو اندفاع وبقوة أكثر نحو الأسوأ في كل شيء، حتى على مستوى انتخاب رئيس!
وسترتفع الأسعار أكثر، وكذلك سعر صرف الدولار على الليرة اللبنانية، وستجد المصارف صعوبة في الاستمرار دون هيكلة وإصلاحات جذرية، ومن ثَمَّ سيكون الانهيار كاملًا وشاملًا. وناشد الهبر أخيرًا الأفرقاء لاتّباع صيغة تُنقذ البلد، وخصوصًا بالذهاب إلى الحوار، وإلا فالعواقب لن تكون محمودة. وإذا لم يحصل تدخّل خارجي لضبط الأمور ولجم الانهيار وإيجاد الحلّ المطلوب، فالخوف كبير جدًّا من خروج الأمور عن السيطرة. وختم الهبر كلامه بمناشدة الجميع من رؤساء ومسؤولين ومن أصحاب الحكمة من ساسة وزعماء لبنان، أن يتوجّهوا للحوار البنّاء والفعّال ليسود الوطنُ السلامَ والطمأنينة والبحبوحة.
د طلال حمود – مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ، ورئيس جمعية ودائعنا حقّنا.