وزير الثقافة عن رجل الإستقلال رشيد بيضون: كان له أبعد الأثر في تدوين تاريخ الوطن وصناعة علَمِه والتوقيع على قماشته الاولى والعمل من أجل دحرِ جيوش ظلام الجهل والإقــطاع والهيمنة
قال وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، عن رجل الإستقلال رشيد بيضون: “من الناس من يقتحمون التاريخ ليسكنوا فيه بعدما يكونون قد صنعوا أحداثه وأرخــوا لوقائعه ودونوا بمداد نضالاتهم كل آفاقه ورؤاه وأمجاده. ولأن التاريخ شاهد حي، يبقى واجبا على كل جيل، استحضار أحداثه وناسه إلى دائرة الحضور اليومي، لئلا يدخل المجتمع في عتمة نسيان القامات الكبيرة هذا يقتضينا في لبنان أن نتذكر الشخصيات والأسماء العريقة التي كان لها أبعد الأثر في تدوين تاريخ الوطن وصناعة استقلاله والعمل من أجل دحر جيوش ظلام الجهل والتخلف والإقــطاع والهيمنة. من هذه الأسماء العريقة يبرز اسم الراحل الاستقلالي الكبير رشيد بيـــضون الذي تكاد ذاكـــرة تاريخ لبنان الحديث _ لا سيما ذاكرة استقلاله _ تنساه، فلا تضعه في قائمة من نذروا حياتهم ليكون لنا وطن حر، له عَلمُه الخاص الذي لا يزال يحمل توقيع رشيد بيضون المتربع على القماش مَعــلما وأثرا وقلعة وحصنا كمثل قلاع جبل عامل وكل لبنان”.
اضاف: “في ذكرى الإستقلال نحتاج إلى العودة لدوحة رشيد بيضون، أحد رجالات الاستقلال المنسيين النائب والوزير ومؤسس حزب الطلائع والطامح إلى نشر العلم والمعرفة في مواجهة الإقطاعية التي كانت تشكل حجر الزاوية في بناء السلطة اللبنانية آنذاك. فاعترضت على أعماله التي سعى من خلالها إلى تأمين الحياة الكريمة لشعب أبى أن يخضع للاحتلال والانتداب والاستعمار والجهل والفقر والاحتكار ومصادرة القرار، فإذا برشيد بيضون، الذي شاءت الإرادة الإلهية أن لا يــرزق بأطفال، ينذر حياته وسمعته ويعمل على إخراج كل أطفال بيروت الفقراء من شوارعها ساعيا إلى تأمين أسمى حق لهم على بلادهم ودولتهم وهو حق العـــلم والتعـــلم، فشكلت مبادرته المتمثلة “باختطاف كل أطفال شوارع بيروت ليرسلهم إلى المدارس حيث يجب أن يكونوا” انتفاضة غريبة من نوعها على نظام إقطاعي سائد كان يقدم حاجات الإقطاعيين ومصالحهم على مصير سائر فئات الشعب، من منطلق أن ” البيك ” يتعلم لأجل بقية شعبه”.
وتابع: “أراد رشيد بيضون لهذا المنطق أن يتهاوى ويسقط عند أعتاب طلب العلم الذي جعله الله تعالى فريضة واجبة على كل إنسان مستهديا الحديث الشريف ” إن الملائكة لتفرش أجنحتها لطالب العلم ” وهو ما دفعه وحفزه على السعي الحثيث لتحقيق حلمه وأمله وطموحه ” بتأسيس الكلية العاملية عام 1923، ثم تلاها افتتاح اربع واربعين مدرسة في الجنوب والبقاع وجبل لبنان. ثم أنشأ مع عدد من أبناء بيروت والجنوب الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية للاهتمام بالفقراء والمحتاجين والمستضعفين والكلية العاملية لتوفير فرص تعليم للفقراء والكادحين واليتامى. هذه الكلية ، التي لا تزال قائمة حتى اليوم، شاهدة على عظيم ما حملته روح هذا الثائر المنتفض على الإنتداب والإقطاع والهيمنة والإستعلاء والتمييز الطبقي حتى في مجالات التعليم والخدمات الإنسانية والإجتماعية ولعل من جميل ما قاله المؤسس رشيد بيضون عن الكلية العاملية: “إن الغاية التي من أجلها أنشئت الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية هي نشر الثقافة في الربوع اللبنانية ومحاربة الجهل محاربة شديدة من أجل تكوين جيل جديد يتفهم معنى الحياة ومعنى الحرية. وما الكلية العاملية وفروعها سوى الأداة لتحقيق هذه الأهداف والمساهمة في بناء مجتمع صالح يعمل لخير الأمة العربية والوطن اللبناني”.
وقال: “أمام كل هذه الإنجازات يصبح من الطبيعي أن يتبوأ رشيد بيضون المناصب الوزارية والنيابية، وأن يحوز أوسمة عدة منها: وسام الاستحقاق اللبناني الذهبي، ووسام التربية الوطنية من الدرجة الأولى، ووسام النضال الوطني، ووسام جوقة الأرز من رتبة ضابط، ووسام محبة الناس الذين لقبوه بـ “صاحب المسيرة الداعمة للتعليم والتنوير والعدالة الإجتماعية وبالرجل المستنير على قلة العلم”.
واكد “ان واجب الوفاء لقامة عظيمة من بلادي نظير الراحل رشيد بيضون النائب والوزير والإنسان وخادم الناس والعلم والمعرفة والثقافة يحتم علينا وعلى الأجيال القادمة أن ندرك ونعي منزلة هؤلاء المؤسسين لكيان وطن حاولوا أن يكون على قدر آمالهم وطموحاتهم وإنجازاتهم”.
وختم: “في يوم الإستقلال تحية إكبار وإجلال وافتخار لرجل الإستقلال اللبناني رشيد يوسف بيضون.
عشتم وعاش لبنان”.