تقدير موقف لمركز الزيتونة يتوقّع استمرار مسار تطور العلاقات بين تركيا و”إسرائيل” إلا أنه يستبعد أن تعود إلى المستوى الاستراتيجي
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقدير موقف بعنوان: “عودة العلاقات بين تركيا و”إسرائيل”: ما الجديد هذه المرة؟”، وهو من إعداد الدكتور سعيد الحاج ، الباحث والمحلل السياسي في الشأن التركي خاصة وقضايا المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.
عقب توتر العلاقة بين تركيا ودولة الاحتلال في عهد “العدالة والتنمية” مع العدوان على غزة سنة 2008، استمر التوتر مع حادثة منتدى دافوس في 2009، ثم أزمة “الكرسي المنخفض” في السنة نفسها، ثم وصلت العلاقات للقطيعة الديبلوماسية سنة 2010 إثر الاعتداء على سفينة “مافي مرمرة” وهي في طريقها لغزة. وعادت العلاقات سنة 2016 مع اتفاق التطبيع، لكنها لم تعد لسابق عهدها، وإنما بقيت في إطار الشد والجذب، لتعود لحالة شبه قطيعة في أيار/ مايو 2018 حين سحبت تركيا سفيرها في دولة الاحتلال، وأعلنت سفير الأخيرة شخصاً غير مرغوب فيه، على أثر التعامل الفظ مع مسيرات العودة، وكذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
لكن السنتين الأخيرتين حملتا عدة تطورات بخصوص العلاقات بين الجانبين، ليبدأ المسار باتصال هاتفي بين الرئيس التركي ونظيره الإسرائيلي، ويمر بسلسلة من الخطوات من الجانبين تُوِّجت مؤخراً بالإعلان عن خطوة تعيين السفراء.
ويبحث التقدير في الأسباب التي دفعت تركيا لتحسين علاقاتها مع دولة الاحتلال، وفي جوانب الاختلاف بين هذه المرة وسابقاتها. ويشير إلى أن تقارب تركيا مع الاحتلال يأتي في سياق أوسع منه ويشمل تغيراً في بوصلة السياسة الخارجية التركية ككل، وقد وصل الجانبان لمحطة تبادل السفيرين، على الرغم من كل العوائق والعقبات الماثلة وفي مقدمتها الشروط المتبادلة بينهما.
كما يشير التقدير إلى أن مسألة تطوير العلاقات مع “إسرائيل” لا تواجه معارضة داخلية حقيقية، لا على الصعيد الشعبي ولا الحزبي، إذ يقتصر التحفظ على الأمر على شرائح بعينها في مقدمتها المهتمون بقضية “مافي مرمرة” وبعض المحافظين، خصوصاً وأنها تُقدَّم في صورة مصلحة قومية تركية تتعلق بأمن الطاقة.
وبالاستناد إلى جملة معطيات، وبعد مقارنة سياقات اختلاف تطور العلاقات بين الجانبين هذه المرة عن المرات السابقة، رجَّح التقدير، على المديين القريب والوسيط، سيناريو استمرار العلاقات لتلاقي الرغبتين التركية والإسرائيلية في ذلك. وتوقّع أن تخفف تركيا من لهجتها الناقدة للسلوك الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه، وأنها قد تطلب من قوى المقاومة، وتحديداً حماس، تخفيف تواجدها وظهورها في الساحة التركية.
وخلص التقدير إلى نتيجة مفادها أن مسار تطور العلاقات هذه المرة مرشح للصمود والاستمرار أكثر، وبالتالي أن يكون أطول عمراً من سابقيه، بل وربما يميل مع الوقت للتعمق أكثر فأكثر. وربما يكون من مؤشرات ذلك حديث بعض الأوساط عن احتمال زيارة أردوغان لدولة الاحتلال في المستقبل القريب. إلا أنه استبعد في الوقت نفسه أن تتطور العلاقة إلى المستوى الاستراتيجي الذي كان في التسعينيات من القرن العشرين. كما نبه إلى أن مستوى العلاقات سيتأثر بعدد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، وتطورات القضية الفلسطينية.
ولم يتوقع التقدير حصول تغير جذري في موقف تركيا من القضية الفلسطينية بشكل عام، فهي تدعو لحل الدولتين وذلك مما لا يشكل مشكلة لدى الإسرائيليين، وربما تسعى لمبادرة ما بين الجانبين على صعيد مفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أو على صعيد صفقة لتبادل الأسرى بين الاحتلال والمقاومة.
وعلى الرغم من ذلك، يرى التقدير أن عودة العلاقات بين الطرفين في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة والضفة بحدّ ذاته تغير ملموس بخصوص القضية الفلسطينية وليس أمراً هامشياً، بل يشي بأن تركيا باتت تفصل بين علاقاتها مع الاحتلال وممارسات الأخير ضدّ الفلسطينيين، وهو ما تؤكده بعض التصريحات الرسمية التركية.
وعلى صعيد علاقات تركيا مع حركات المقاومة الفلسطينية وخصوصاً حركة حماس، دعا التقدير لوضع ذلك تحت المجهر وفحصه في الفترة المقبلة، إذ أن المسألة في بؤرة اهتمام الاحتلال كما أنها تصدَّرت شروطه لتحسين العلاقات، كما أنها وردت ضمن مطالبه من أنقرة على لسان كل المسؤولين الإسرائيليين الذين زاروا تركيا مؤخراً. ورأى التقدير أن ذلك يستدعي من الفصائل الفلسطينية أن تتعامل مع الظرف المستجد بما يستحقه، بما في ذلك تخفيف مستوى تواجدها على الأراضي التركية، وتجنب أي سياسات أو تصريحات قد يستغلها الاحتلال للتحريض على وجودها في تركيا، إذ ما زال يكرر مطالباته للأخيرة بطرد قيادات من حماس يدعي وجودها وعملها من على الأراضي التركية، استغلالاً لرغبة أنقرة في عدم التشويش على مسار التقارب معها.
ودعا التقدير إلى التأكيد على المشتركات مع تركيا كونه “المسار الاستراتيجي الأهم”، وذلك من باب الخطر الذي تشكله دولة الاحتلال على المنطقة بأسرها ومن بينها تركيا، باعتبارها تمظهراً للمشروع الصهيوني، بما يجعل المقاومة الفلسطينية حائط الدفاع الأول ليس عن فلسطين والعالم العربي فقط وإنما تركيا نفسها كذلك.