ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة
ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى في كتاب العزيز أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُۥ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا).
إن أهم وظيفة من وظائف الانبياء (ص) هي وظيفة التبليغ، والتبليغ هو إيصال كلام الله وأوامره وإرشاداته للناس لتقويم حياتهم ومسيرتهم حتى تستقر أحوالهم وتستقيم أمورهم ويعيشون الحياة الطيبة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لهم وللإنسانية، وكما ذكرنا غير مرة لا يكرر البشر تجاربهم في الحياة ويستعيدون فيها الجانب المظلم منها فإن التجارب الإنسانية مليئة بالمظالم ومليئة بالانحرافات، وكانت النتائج لهذه التجارب نتائج مُرّة في حياة البشر، لذلك كانت مهمة الأنبياء هي إرسال الرسل إلى الناس حتى يختصر عليهم هذا الطريق ويعرّفونهم الطريق الصحيح الذي يوصلهم إلى الأهداف التي يبغونها في الحياة، في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة، وهؤلاء أول شرط من هذه الشروط التي يجب أن يمتلكونها هو أولاً الاستقلال، أن يكون من يحمل هذه الرسالة يحمل روح الاستقلال، بمعنى أن يكون مسؤولاً عن العمل الذي يقوم به، وبالتالي يؤدي هذه الوظيفة بأمانة وبمحبة للناس، هذه الإستقلالية التي تبدأ بشهادة لا إله إلا الله شهادة التوحيد، (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله)، فإذاً من التوحيد لله سبحانه وتعالى تبدأ مسيرة استقلالية الانسان واستقامة الإنسانية واستقامة البشريةـ والفرد المسلم أي فرد من أفراد المجتمع الإسلامي هو بطبيعة الدين وبطبيعة الرسالة الإسلامية كل الأديان التي تحمل هذه الروح أن يكون الفرد مستقلاً لأنه يكون مسؤولاً في مرحلة الرشد أو في مرحلة البلوغ، أن يكون مسؤولاً أمام الله تعالى عن كل أعماله، ويكون مكلفاً بأداء واجباته أمام الله وبإتجاه هذه الحرية بإتخاذ قراراته وبإتجاه مسؤولياته أمام الأقربين وأمام المبعدين، اتجاه نفسه واتجاه أسرته واتجاه المجتمع، فهو يجب عليه أن يكون مستقلاً في إتخاذ هذا القرار وفي هذا الاعتقاد، ولذلك في مجال العقيدة لا مجال للتقليد أي للتبعية، فالقرآن الكريم لا يوافق على أن يأخذ الناس دينهم وإيمانهم عن طريق تقليد آبائهم او أي أحد آخر، ليكون الانسان مسؤولاً أمام الله، فبذلك يكون مُحاسباً على إيمانه وفعله.
(إنا وجدنا آباءنا على أمة) هذا تخلّف لا يأخذ بيدهم الى التقدم بل الى التخلف.
إذاً رسالة الإسلام هي الدعوة أن يكون الانسان مستقلاً في قضايا القرار، في مجال العقيدة، وفي كثير من المسائل الأخرى، الشخصية والعامة.
فإنّ المسؤولية تتوسّع عن الإطار الشخصيّ الى علاقات الفرد مع المجتمع، ليتخذ الفرد قراراً فيه المصلحة للفرد والمجتمع.
الاسرة هي عبارة عن البيئة التي ينمو فيها الانسان وتتحمّل المسؤولية عن تربيته، ليس فقط في مجال صحته بل في كل شيء.
نعم، للأبوين خصوصيّة فهما أحرص الناس على أبنائهما، وكثيرة هي الآيات القرآنية التي تلزم الفرد باحترام الوالدين والبرّ بهما، ولكن هذا لا يعني أن الوالدين يملكان اولادهما حتى يتحكّما بهم، فالطاعة مقصورة على بعض الجوانب.
الفرد هو مسؤول عن قراراته وأفعاله، وبالتالي يجب أن يكون حراً حتى يكون مسؤولاً، وبناءً عليه يكون مستقلاً.
الاستقلالية هي قرار ناشئ عن مصلحة الجماعة بما يُمكّن المجتمع من القيام بواجباته، وحين تُملى القرارات من الخارج في الاقتصاد والسياسة يكون المجتمع عند ذاك تابعاً وغير مستقلّ.
كانت البلاد العربية ترضخ تحت الاحتلال العسكري، وكانت الأمور تدار من خلال الأجنبي، فهل حصل الاستقلال الحقيقي مع خروج الاحتلال العسكري! فالاستقلال يعني أن تُتخذ القرارات لمصلحة الأوطان والناس، اما الذي حصل فهو الاستعمار المبطّن، الذي بقي موجوداً في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، وبهذا يكون الاستقلال ناقصاً، فالصناعة مقيّدة، وارادتنا غير حرة، لأن التوجيهات تُعطى من الأجنبي، وهذا هو الاحتلال المقنّع.
يوم الثلاثاء في22 تشرين الثاني سيكون عيد الاستقلال، هذه المناسبة العزيزة تجعلنا نتساءل هل أن هذا الاستقلال ناجز؟ أم أن الخارج هو الذي يتحكم بالقرار؟ وهل أن الشعب اللبناني يحكم نفسه؟ وهل أن السياسات المالية والاقتصادية تراعى مصالح الشعب اللبناني؟ وهل أن السياسات التربوية والثقافية تراعي مصالحه أيضا؟
أخذ لبنان استقلاله بعد خروج المحتل عسكرياً وبقي ادارته خاضعة للأجنبي، فالسياسات بقيت خاضعة للخارج ولا يستفيد منها الشعب اللبناني.
الموقف الحرّ هو الذي اتخذه الامام السيد موسى الصدر بإنشائه المقاومة منذ بدايتها، فهي ليست ميليشا لتقاتل في البلد، بل لمواجهة العدو الإسرائيلي الذي يتحل الإرادة اللبنانية. لهذا، فإن المقاومة هذه لم تكن على المتاريس الطائفية بل لمواجهة المحتل الذي يُسخّر ثروات لبنان في المياه وغيرها لصالح العدو.
الامام السيد موسى الصدر لم يكن جزءاً في الحرب اللبنانية، ودائماً كنا مع سياسة لبنان المستقلة، ومع الجيش اللبناني، ليكون الجيش الوطن جاهزاً للدفاع عن الوطن كله، ولكن التبعية هي التي أضعفت لبنان من المواجهة مع العدو المحتلّ.
بعض اللبنانيين يرون أن المقاومة خطر على مصالحهم، لذلك واجه الامام السيد موسى الصدر والمقاومة، بينما استطاعت المقاومة أن تحرّر لبنان من العدو في الجنوب كما في البقاع الغربي.
نحن قادمون على مناسبة الاستقلال التي نراها أساسية، ويجب استكمال هذا الاستقلال.
المقاومة هي التي واجهت التبعية، وعلى اللبنانيين أن يستكملوا التحرير وأن يستفيدوا من المقاومة لبناء بلد حقيقي يستثمر موارده الاستقلالية. والتبعية هي التي تعني تمسك بعض اللبنانيين بالخارج، فهم يمانعون أن يكون لبنان مستقلاً، ويعتبرون أن هناك شعوباً في لبنان لا شعباً واحدا ولا ثقافة واحدة.
نحن نعتبر أن في لبنان شعباً واحداً مؤمناً من مسيحيين ومسلمين، يدينون بدين القيم في الاسرة والمجتمع كله. فلبنان غير منقسم، وهو بهذا المعنى واحد. ولا يُحمّل الدين مفاسد بعض الناس في السياسة والاقتصاد.
وإذا كان بعض من يملك الاعلام والصوت العالي فلا يعني ذلك انه الحقّ، فالاستقلال اللبناني هو تحرير الجنوب اللبناني ومنع العدو من خرق سيادة لبنان، ومنعه من الدخول شبراً واحداً للأراضي اللبنانية حيث يبني أبناء الجنوب بيوتهم. فلا تراجع عن الاستقلال بهذا المعنى، فهو يعني كرامة اللبنانيين من كل الطوائف. وعلى اللبنانيين ان يُخرجوا أنفسهم من المشهد الهزلي الذي يحصل حالياً، في اجتماعات مجلس النواب.
إنما ما يحصل في الجمهورية الإسلامية من تسليط الإعلام، ويُدفع المال الى جماعات لا تساوي شيئاً من الشعب الإيراني الذي يقف مع نظامه. غير أن الاعلام هذا يُوجّه الى بعض المشاغبين بهدف واحد هو ان تتراجع إيران عن استقلالها، في حين أن إيران رفعت شعار “لا شرقية ولا غربية”، لذلك دفع أعداؤها بالنعرات الطائفية والعرقية، وشنوا الحرب ضدها، ولكن الشعب الإيراني هو مستقل ويدفع الثمن في سبيل حريته وكرامته وعزّته. إيران هذه أصبحت قاعدة للانطلاق نحو استقلال شعوب العالم ودوله، في حين ان الغرب يريد إثارة المشاكل بوجهها لتتنازل عن شروطها في الاتفاق النووي.
لهذا نوجّه التحية للشعب الإيراني الذي يملك إرادة حرة وحكومة مستقلة، فهم لا يخشون إلا الله وهذا مثل لنا جميعاً حين نعتمد على الله سبحانه وتعالى.
إننا نتوجّه بالعزاء الى الشعب الفلسطيني العزيز بالشهداء والمصابين نتيجة الحريق الذي حصل في مخيم جباليا.
هذا الشعب الذي اعتاد على دفع أثمان كثيرة لتحقيق إرادته الوطنية الحرة وتحرير المسجد الأقصى، وأن يعود الى أرضه ومن أجل ذلك قدّم الشهداء ودفع التضحيات الكثيرة.
نحن نُكبر هذا الشعب حين يبدي الاعتزاز بشهدائه الذي يواجهون أقوى جيش في المنطقة وقهره، لكن هذا القهر لم يستطع أن يواجه إرادة الشعب الفلسطيني الذي يستمر لغاية التحرير. نسأل الله ان يوفقنا جميعاً لتحقيق هذا الأهداف النبيلة.