في كلمة: في مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران فضل الله: لن يكون للعالم الإسلامي ولا الإسلام حضور إلا بمعالجة الخلافات المذهبية
ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة في الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الدولي الـ 36 للوحدة الإسلامية، الذي يعقد في العاصمة الإيرانية طهران تحت شعار “الوحدة الإسلامية وإحلال السلام وتجنب الصراع في العالم الإسلامي بحضور رئيس الجمهورية الإسلاميّة في إيران السيد إبراهيم رئيسي وحشد من الشخصيات الفكرية والدينية من دول العالم الإسلامي.
ومما جاء في كلمة سماحته: أن الوحدة الإسلامية هي موضع الاستهداف الدائم من كل الذين يخشون نهوض العالم العربي والإسلامي وامتلاكه لعناصر القوة وأخذ خياراته بعيداً من الإملاءات التي تفرض عليه، وممن يريدون له أن يكون بقرة حلوب يسلبون خيراته وموارده ويسيطرون على مواقعه الاستراتيجية لتعزيز نفوذهم وهيمنتهم والتحكم به، وذلك باستثارة الغرائز الطائفية والمذهبية والقومية وغير ذلك من العناصر التي تقسم البلاد.
وأضاف: عندما نتحدث عن الوحدة الإسلامية، فإن ذلك لا يعني إلغاء الخصوصيات الدينية أو المذهبية أو القومية أو خصوصية كل بلد، فنحن نؤمن بالحفاظ على التنوع، ولكن التنوع في إطار الوحدة التي تخدم القضية العامة على قاعدة القواسم والمصالح المشتركة.
وشدّد على ضرورة رفع الصوت عالياً لمطالبة الدول الإسلامية التي عبثت بها النزاعات تحت عناوين مذهبية أو قومية أو لاختلاف في الرؤى والمسارات، بأن كفانا ما عانيناه من انقسام وتنازع أدى إلى جعل الأعداء يستفردون بكل دولة من هذه الدول ويعبثون بأمنها وسياستها واقتصادها…
وتوجه إلى القيادات بالقول: فأنتم قادرون إن توحدت جهودكم وطاقاتكم أن تمنعوا كل هذا العبث بواقعكم، وأن تكونوا نداً للآخرين، وإذا نجحتم في ذلك، فلن يكون بعدها لمستبيحي الثروات والأوطان أن يتمكنوا من استباحة أرضكم ومقدساتكم وأن يكسركم أحد… لقد جرب البعض منكم أن يوحدوا جهودهم، واستطاعوا أن يحرروا أرضهم ويجهضوا مشاريع عدوهم.. أنتم لستم ضعفاء بل أقوياء إن وحدت طاقاتكم وجهودكم…
ودعا سماحته كل القيادات العربية والإسلامية إلى مراجعة السياسات الفردية والفئوية والتي أدت إلى ما نشهده من ضعف وتحلل، وأن يرتقوا إلى مستوى التحديات بإخراج صيغ التعاون الموجودة في أدراج مؤسساتهم، والعمل على تفعيلها بأن لا تبقى شكلاً بلا مضمون، وإصلاح ما فسد على صعيد العلاقة بين هذه الدول من النزاعات والخلافات، والتوجه إلى العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تهدد كل دولة وتلك التي تهددها جميعاً، سواء على المستوى السياسي الذي يتعرض لضغوط كبيرة، أو التحدي الاقتصادي حيث يعيش العالم الإسلامي في ظل تبعية اقتصادية يمكن التخلص منها بالتعاون بين هذه الدول وإنشاء سوق إسلامية مشتركة أسوة بالأسواق الأخرى…
ولفت سماحته إلى ضرورة أن نولي الاهتمام الأكبر لمعالجة الخلافات المذهبية، والتي تشكل أحد أبرز المداخل التي يستخدمها الأعداء لتمزيق أي اتحاد أو وحدة بين المسلمين، حيث لا بد من التوقف بمسؤولية أمام ما يثيره كل مذهب على الآخر، والذي قد يؤدي إلى تكفيره وإخراجه من دائرة الإسلام، ودراسة ما يثار والتعمق في تقديم الحلول له، للحؤول دون أن يؤدي هذا النهج التكفيري إلى الإطاحة بكل دعوات الوحدة والأخوة بين المسلمين وإحباط كل الجهود والتضحيات التي بذلت في هذا السبيل…
ولفت سماحته إلى أن كثيراً مما تسجله المذاهب بعضها على بعض ليس صحيحاً، أو ليس بالصورة التي يراها الآخر، أو هي اجتهاد وليست حقيقة في المذهب، وهنا ندعو إلى متابعة الحوار الجاد والعميق والشفاف، بان يطرح كل فريق ما يراه أنه حق ليتم التوصل إلى قناعات مشتركة ما يتيح الوصول إلى نتائج إيجابية، وعدم السماح باستغلال الخلافات لمصالح خاصة، وإن كان من اختلاف على الصعيد العقدي أو التشريعي أو في النظرة إلى التاريخ ينبغي التعامل معه على أساس الاحترام المتبادل والابتعاد من كل ما يستفز الآخر…
وأردف سماحته: لن يقوم أي لون من ألوان التقارب الحقيقي بين المسلمين سواء وحدة إسلامية راسخة أو أي اتحاد بين البلدان الإسلامية مهما كان شكله، إلا بعد توافر الرموز والكيانات التي تمتلك المؤهلات الفكرية والروحية والسياسية وتعيش الوحدة كاقتناع راسخ في وجدانها وعقلها، وأن نسالم ما سلمت أمور المسلمين ولو كان على حساب مصالح فئوية وشخصية، معتبرين الوحدة تكليفاً شرعياً يجب أداؤه فبغير ذلك لن يكون للأمة كموقع ودور وجود في هذا العالم.
وحث سماحته على أهمية توفر الإرادة السياسية الثابتة والتصميم القوي على تحقيق الوحدة مهما كانت التضحيات، لأن مجريات الواقع والتجربة تؤكد مدى حجم التحديات والعقبات سواء الداخلية والخارجية التي ستتعرض لها القوى التي تتبنى خيار الوحدة كتكليف شرعي أو كنهج استراتيجي سياسي…