الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع تناولت في باكورة نشاطاتها قراءة في كتاب “أحوال الثقافة والسياسة في لبنان من بداية الحرب الاهلية 1975 حتى العام 1990”.
نظّمت الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع ضمن نشاط “قراءة في كتاب” ندوة من بعد عبر منصّة زووم Zoom، تناولت كتاب الأستاذ الدكتور عاطف عطيه “أحوال الثقافة والسياسة في لبنان من بداية الحرب الاهلية 1975 حتى العام 1990”. داخل في الندوة كل من المفكّر العربي الأستاذ الدكتور عبد الحسين شعبان، والباحث في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع السياسي الأستاذ الدكتور بسّام الهاشم، وأدار الندوة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في لبنان الأستاذ الدكتور خالد زيادة، كما شارك فيها كوكبة من الأساتذة والباحثين وطلاّب دراسات عليا في العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا.
رئيس الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع الاستاذ الدكتور علي بزي
أعرب الأستاذ الدكتور علي بزي عن سرور الجمعية بافتتاح باكورة نشاطاتها بحضور كوكبة من المفكّرين لمناقشة النتاج الأخير للأستاذ الدكتور عاطف عطية. مشيرًا إلى ازدياد “الحاجة أكثر فأكثر للدراسات العلمية المتعمّقة للسياسات القائمة على الفكر الذي يعيشه مجتمعنا، وذلك لتطوير البحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية، وبخاصة في فترة الأزمات. هذا ما نسعى اليه من خلال أنشطتنا الثقافية لتحفيز المزيد من الاساتذة والطلاب لمعالجة هذه القضايا الهامة”.
وأضاف “عناصر متعدّدة تحاول كل منها أن تكوّن صورة ثقافية خاصة، وهنا بيت القصيد. أين يقف الباحث ضمن هذه التوليفة المعقّدة محاولاً خوض غماره؟ ذلك يميّز ويبرز دور المثقف والباحث الأكاديمي بمنهجه العلمي ورؤيته الموضوعية، دون الدخول في المتاهات والزواريب، من هنا صعوبة المقارنة والاحاطة بكل التفاصيل وكافة المفاصل. وما ندوتنا اليوم سوى تأكيد على البعد العلمي والمعرفي الذي يصبو اليه الجميع”.
الاستاذ الدكتور خالد زيادة
ذكر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في لبنان أنّ “هذا الكتاب يتناول المواقف والمناقشات والمؤتمرات التي شارك فيها الكثير من المثقفين والأكاديميين على امتداد الحرب، وذلك لمناقشة أبعاد الأزمة وطرح الحلول لهذه الحرب الطويلة التي بدأت في 13 نيسان 1975”. مشيرًا أنّه يتناول “جوانب عدّة، ويطرح مجموعة من الأسئلة: مسألة الحرب، مسألة الطائفية، ومسألة مواقف المثقفين والتساؤل حول ما هو دور المثقف، وخصوصًا المثقف المنتمي إلى تيار سياسي في الازمات. هل للبعد الثقافي أن يضيف حلول لهذه الأزمات التي يمر بها لبنان؟”
وأضاف “نحن اليوم أيضاً في واقع مأزوم، ومن حسن الحظ بأن هذه الأزمة الاقتصادية لم تصل إلى حد الحرب الأهلية، ونتمنى ألا نصل الى حد الحرب الاهلية. لهذا السبب هذا الكتاب له معنى كبير لأنه يطرح قضايا لما يروّج له الآن من جديد فيما يتعلق بالحلول والمشاريع والتقسيم الفيدرالي وغيرها من المشاريع”.
الأستاذ الدكتور عبد الحسين شعبان
حدّد المفكّر العربي أُطر مداخلته بقوله “لا أريد العودة إلى السياسة بمعناها الأكاديمي حسب ما جاء به أرسطو أو إبن خلدون فيما يتعلق بالخير العام وإدارة الشؤون العامّة، والدين بصفته علاقة بين الفرد وخالقه، والثقافة باعتبارها الوعاء الحاضن. إنّما الحديث هنا فتح الشهية وقدم لنا وليمة أفكار مهمّة بصحون وأطباق مميّزة ومختلفة ومتنوّعة، لا تخص المجتمع اللبناني فحسب، وإنما تخص المجتمع العربي الذي يعيش بعض مشكلات وهموم الوضع اللبناني أيضاً، فضلاً عن ذلك تأثيرات الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامّا، على عموم بلدان المنطقة والشعوب العربية المختلفة”.
وأضاف “لم يقدّم الكتاب إجابات جاهزة أو معلّبة إذا جاز لي التعبير أن أقول، وإنّما طرح أسئلة. قيمته أنه طرح أسئلة مهمّة، وهذا زمن تتقدّم فيه الأسئلة وينهزم الجواب. لعل السؤال يولّد أسئلة أخرى وهكذا”. واستخلص من قراءته لهذا الكتاب “ستة أسئلة طرحها الباحث بطريقته، وأنا أستكملها معه: لماذا لم ينتج الفعل الثقافي والممارسة السياسية الاستقرار في لبنان؟ هل التعدّدية المجتمعية اللبنانية هي سبب عدم الاستقرار؟ هل المنافسة المسيحية ـــــــــ الإسلامية هي السبب في عدم الاستقرار؟ لأن كل طرف يسعى للتقدّم على الآخر. هل المجتمع اللبناني واحد بثقافة واحدة متنوّعة المصادر والموروثات؟ أم أنهّ متعدّد وثقافاته متعدّدة وربما متعارضة أحياناً؟ هل تسير الثقافة في ركاب السياسة أم أنّه لا تتبع الثانية، إذ يخضع المثقف للسياسي، وبالتالي تكون مواقع السلطة والإدارة خارج دارات الثقافة والمثقفين؟ وهل للسياسيين همّ ثقافي؟ أم يصبح لهم ذلك بالقدر الذي يمكن توليفه لمصالحهم؟”
وأكّد بأنّ “أهمية هذا الكتاب، أنّه ركز على practices (التجارب) ولم يركز على النظرية فحسب، أو على الجوانب الفكرية والإيديولوجية، وإنما بحث في التطبيقات من خلال مؤتمرات وطروحات لتيارات فكرية أساسية موجودة في المجتمع اللبناني”. وختم كلامه بالقول “الكتاب مهم جداً، وكتاب مميّز، وفيه إضاءات مهمّة والتفاتات جديرة بالتوقّف، وهو بحاجة إلى مباحث من أكثر من زاوية، ومن أكثر من موقع”.
مداخلة الاستاذ الدكتور بسام الهاشم
اعتبر الباحث في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع السياسي أنّ هذا الكتاب “يشكّل نوعًا من رجع الصدى الملموس لحرب 1975. فعلى هامش الصراعات المديدة الجارية آنذاك شهدت الساحة اللبنانية من 1975 حتى 1990 من جملة ما شهدته، انعقاد مؤتمرات وندوات عدّة لأعلام من أهل الثقافة. عنيت تحديداً من باحثين وكتّاب ومفكرين وأكاديميين، هدفت إلى تشريح الازمة المستفحلة وتقصّي أسبابها القريبة والبعيدة ومن ثمّ طرح حلول لها، وبصورة خاصّة للقضية المطروحة والتي سبق وقلت أنها تمثّلت بالطائفية السياسية. فالطائفية بجميع جوانبها المطروحة كانت ولا تزال حتى اليوم في صلب كل الصراعات”.
وتساءل عمّا رمى اليه المؤلف؟ معتبرًا “إنّ ما ظهر ويظهر من أحوال الثقافة والسياسة في لبنان، يؤيّد بوضوح أنّ الثقافة على حداثة عهدها في حاشية النظام لم تفسح عن أي أثر يدّل على تأثيرها أو على وجودها، لا في إتفاق الطائف ولا في اتفاق الدوحة، إذ يظهر أيضاً على وجه بيّن أن السياسة في مكان والثقافة في مكان آخر”.
وتابع “أتت التسويات التي قدّمتها للمشكلة الطائفية معلّقة للدولة ومعها البلد في الدوّامة القديمة إياها، التي كانت سبباً أساسياً للمشكلة، ولم تأخذ بمطالب الشعب ومشاكله التي دعا الى تحقيقها المثقّفون في مؤتمراتهم، وإنما جاءت لتكرّس مقولة أن الثنائية الحضارية الدينية، وهذا ما قالت به ندوة الفكر المقاوم في بيت المستقبل، ستؤدي إلى الإلغاء الفوري للمطالبة بإلغاء للطوائفية السياسية. هذه هي الفرضية المركزية التي عمل هذا الكتاب للتحقّق منها”.
الأستاذ الدكتور عاطف عطيه
اعتبر الكاتب أنّه “لا شك أن هناك جملة مؤثّرة من الهواجس وحوافز التي شغلتني ودفعتني بأن أظهر الكتاب على الشكل الذي ظهر فيه. إن كان في موضوع المؤتمرات أو الندوات، أو في موضوع الهاجس الاساسي الذي يشغلني، وهو هذه الإشكالية للعلاقة بين الثقافة والسياسة والدين في لبنان. فالإشكالية التي شغلتني هي نفسها الأسئلة التي طرحها الدكتور شعبان”. وأضاف “هناك نوع من التمفصل المديني في لبنان بين الدين والسياسة من ناحية، وتبعية السياسة وإستتباع الدين للثقافة السياسية في الشكل الذي أوصل لبنان إلى مخنق من الصعب أن يخرج منه على المدى المنظور. هذا المخنق هو الذي جعل من لبنان ذي نظام سياسي، بطبيعته غير قابل للسيرورة الدائمة إلا من خلال الأثمان التي تطيل عمره وتمدّد عمله في لبنان”.
وأوضح أنّ “النظام السياسي اللبناني الهش، هو الذي أنتج هذه الدولة ذات البنية الهشة والضعيفة، في مواجهة اي مشكلة يمكن أن تطرأ على الحالة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية في لبنان. من هنا كان من الطبيعي أن تكون هناك التداخلات لعوامل خارجية، سواء كانت موجودة داخل لبنان او من خارجه، هذه العوامل هي التي أوصلت لبنان الى هذا الزمن الذي نعيشه والانهيار الذي وصلنا إليه”.
وختم كلمته بالقول “أهمية هذا الكتاب باعتقادي، هي بالإضافة إلى ما ذكره الأصدقاء الزملاء، أنّه عمل على ما هو ممارس على الأرض. لأنني أؤمن بأن الممارسة السياسية هي المحك الذي يظهر نظامة العمل السياسي أو مسار العمل السياسي. أنا مقتنع تماماً بأن النظام السياسي اللبناني الهش ببنيته الداخلية، هو المنتج للفساد وللسلطة الفاسدة”.
اختتمت الندوة بمداخلات واسئلة تفاعلية قيّمة بين الحضور والأساتذة المتحدّثين.