ذكرى اسبوع العلامة السيد محمد علي الامين
بمناسبة ذكرى مرور اسبوع على وفاة سماحة اية الله العلامة السيد محمد علي الأمين(عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى)، أقيم احتفال تأبيني في النادي الحسيني في بلدة شقرا، حضره حشد من علماء الدين والشخصيات والفعاليات الاجتماعية والتربوية ومواطنون.
بداية الحفل تلاوة القران الكريم، و عرض فيديو ٣ دقائق للمقدس الراحل، والقى نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة استهلها بتوجيه أحرّ التعازي والمواساة للأسرة الكريمة والعائلة الشريفة برحيل العلامة الجليل والسيد الشريف آية الله السيد محمد علي الأمين سليل السادة الاشراف، فرع الشجرة المباركة، شجرة النبوة والرسالة محمد وآله الأطهار (مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسه نار نور على نور) الاية 25 سورة النور.
وأضاف..لقد مضى سيدنا الجليل الى ربّه جلَّ وعلا بعد أن عاش قرناً ونيّف من الزمن، كانت مباركة زاكية نامية ترعرع في بيت من بيوت العلم والأدب والمعرفة والطهارة والتقوى، فعبّى منها وارتوى حتى فاض كأسه منها يوزعه على من منَّ الله عليه بالرشاد والهدى، وتأسس على يديه علماء وقادة كان للكثير منهم شأن في تبليغ الرسالة والعمل الجهادي والاجتماعي والإنساني، وكان لي شرف التتلمذ على يديه بداية انتسابي لمعهد الدراسات الإسلامية في صور الذي أسّسه سماحة آية الله الإمام السيد موسى الصدر وأداره سماحته لما يتمتع به من مناقبية عالية وحبّ للعطاء بلا حدود، فجمع الى جانب العلم وسعة الاطلاع والأدب وسعة الصدر والأخلاق النبوية وسماحة النفس، ما جعله جديراً أن يتبوأ الصدارة وأن يكون له هذا الحضور الذي تجاوز المدى الجغرافي للبيئة التي نشأ فيها، فلم يقتصر على أن يكون أستاذاً ومربّياً في المدارس والحوزات التي درّس وربّى فيها علماء في الشريعة والمعارف الإلهية، فعرفته القرى والأنحاء في جبل عامل واعظاً ومرشداً يمارس الدور الذي سار عليه عُرف علماء جبل عامل من الحركة من مكان الى مكان ومن بلدة الى بلدة، مُطّلعاً على أحوال أهلها، يساعدهم في حلّ مشاكلهم وإصلاح ذات البين، والحثّ على التقوى والتزام حدود الله تعالى في القول والفعل، ولم يسكن الى راحة البدن والتطلّع الى العيش الرغيد، بل كان همّه ان يعمل بعلمه ويُرضي ربّه كما هو العالم الربّاني (طبيب دوار بطبّه) كما يصفه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع):”العالم من شهدت بصحة أقواله أفعاله”، و (اطلبوا العلم تُعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله)، وداعياً الى الله تعالى بغير لسانه، عاملاً بوصية آل محمد (ع) :”كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية”، وساوى نفسه في العيش بضعفة الناس فعاش الزهد وشظف العيش في حياته فأحبه الناس وتأثروا بمواعظه، وكان محل احترام فتقبّلوا كلمته ولم يعش حالة التكبّر عليهم واستمع لشكاواهم واهتم بما يعانونه في حياتهم، ولم يتركهم عند النوازل والمآسي فواساهم في مصائبهم ولم يضق صدره من جاهلهم وتجاوز عن إساءة مُسيئهم وحمل همّ قضاياهم ورفع الغبن عنهم، فكان مثال العالم الواعي الذي انضم الى مسيرة الامام موسى الصدر في نهضته السياسية والاجتماعية ليرفع الحرمان عن المحرومين في لبنان وبالأخص في جبل عامل والبقاع الذي أهمله النظام الطائفي وحرمه من أي عملية إنماء في ظل الاعتداءات الصهيونية الغادرة حيث ساهم مع الامام موسى الصدر في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان ليكون لشيعة لبنان المرجعية التي تهتم بأمور أبناء الطائفة وترفع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم، فكان عليهم الغرم ولغيرهم الغنم، كما كان شريكه في تأسيس المقاومة والدفاع عنها حيث تعرّض الأمام الصدر من أجل ذلك الى الكثير من الاتهامات والتشكيك، فكان (رض) يتمتع بهذا الإحساس الراقي والوعي السياسي والاجتماعي المتقدم الذي دفعه ليكون في مقدمة الذي تحملوا هذه المسؤولية في صناعة هذه المسيرة، فلم يتأثر بالتشكيك ولم يُحبط ولم يتراجع عن السير بخطى واثقة في هذا الطريق، طريق ذات الشوكة رغم الظروف الصعبة التي عاشتها هذه المسيرة وما تعرضت له من اتهامات رخيصة وكاذبة وقلة الناصر والحصار الإعلامي والحربي، فأثمرت هذه الجهود المباركة مقاومة شريفة أثمرت تحريراً للأرض والانسان وأبصرت عيناه ثمرة هذا الموقف الثابت وهذا الصبر في العناد على هذا الطريق، بعد المحاولات المميتة لحرف هذه المسيرة عن أهدافها الحقة بإدخال لبنان بحروب داخلية واهلية وفوضى سياسية واجتماعية فقد فيها أحد أبنائه على يد العصابات الطائفية، والذي زاد في ألمه وألم حرمه وغصتهما عدم معرفة مصيره.
واردف…لقد عرف (رض) ان هدف الحرب التي أُشعلت نارها على أرض لبنان العزيز لم يكن الهدف منها سوى تضييع بوصلة اللبنانيين واستبدال العدو الإسرائيلي بأعداء داخليين لينعم العدو بالهدوء والسكينة ولصبح العدو الإسرائيلي بتصور بعض الاغبياء المنقذ لهم من البعض الاخر، أما السيد العلامة فلم تنطوي عليه هذه اللعبة وبقي الى جانب الامام الصدر وبعده الى جانب الامام شمس الدين ثم مع الامام الشيخ قبلان، واستمر بعدهم حتى وافته المنية ثابتاً على مواقفه في مسيرة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وعلى الأهداف التي قام عليها من رفض التقسيم الى رفض الحرب الاهلية الى الوقوف مع المقاومة السياسية والعسكرية والتمسك بثوابت العيش المشترك ووحدة لبنان أرضاً وشعباً والعداء للمشروع الصهيوني الذي يجب أن تتوحد جهود جميع اللبنانيين في دعم المقاومة لأنها السبيل الوحيد لتحرير لبنان وشعبه وأرضه وردع العدو الذي يشكّل الشرّ المطلق والغدة السرطانية التي لن تدع لبنان والعالم العربي ينعم بالاستقرار والهدوء. لقد كان دور علماء جبل أساسياً في حفظ هوية هذا الجبل وتعميق ارتباطه بخط أهل البيت (ع) عقائدياً وثقافياً وعلمياً عن طريق الحركة العلمية إنطلاقاً من تأسيس الحوزات الدينية الى امتدت على مدى التاريخ و الجغرافيا التي مثّلها هذا الجبل، بل لأبعد لتشمل جغرافيا لبنان في وقت ما حيث كان الوجود الشيعي يتجاوز حدود لبنان الحالي ليصل الى حلب، فتخرّج من هذه الحوزات الكثير من العلماء والإنتاج العلمي الذي لم يقتصر على الفقه والأصول بل تجاوزها الى مجالات أخرى، ثقافية وأدبية (شعراً ونثراً)، وكان لهذه الحركة العلمية آثاراً كبرى في نشر التشيع في الكثير من البلدان وأعظمها أثراً في ايران على يد بعض علماء جبل عامل الذين تسنّموا مراكز مهمة، وما زالت بعض المؤلفات في بعض العلوم تشكل مادة أساسية في الدراسات العلمية الحوزوية الى هذا اليوم كما كان لعلمائها دور مميز، واما على الصعيد السياسي فلم تخلُ فترة تاريخية من دور كبير لبعض من برز من العلماء في التأثير على الاحداث التي كانت تواجه جبل عامل او شيعة لبنان او بلاد الشام. وفي العصر الحديث في مواجهة الظلم الذي أصاب جبل عامل على يد الولاة العثمانيين، وقد دفعت الحوزات العلمية والعلماء ثمناً كبيراً في هذه الفترة وكذلك في مواجهة الاستعمار الفرنسي.وكانت حركتهم لا تهدأ في العمل على تمتين الجبهة الداخلية وإصلاح ذات البين ومحاولة التواصل بهدف رفع الحصار المذهبي عنهم بسبب التشويه الذي تعرض له التشيع والتعريف بالتشيع عن طريق الحوار كما كان يحصل مع بعض علماء الازهر. وقد لعب آية الله السيد محسن الأمين (رض) دوراً مهما على هذا الصعيد عبر تواجده في سوريا الذي حظي باحترام كبير في دمشق. وعلى العموم فقد كان لعلماء جبل عامل على الدوام الدور الكبير الذي حفظ له هويته، كما كان له الدور المهم في مسار الاحداث، وفي هذا العصر وخصوصاً في هذه الفترة قام العلماء بدور كبير في توجيه الاحداث وفي توعية الفئات الشعبية ودفعها الى المشاركة فيها وبالأخص قيادتها في مواجهة العدو الإسرائيلي وتحرير جنوب لبنان والبقاع الغربي في ملحمة تاريخية ليس لها نظير، حيث أُجبر العدو الإسرائيلي على الانسحاب من جنوب لبنان مهزوماً خائباً، ثم إفشال عدوانه المدوي في حرب تموز 2006، ثم التحدي الذي شكلته وحدة الصف في ردع العدو ومنعه من استباحة الجنوب اللبناني، واجباره اليوم للتخلي عن تهديداته بالحرب والاستجابة المُكرهة والمنتظرة لمطلب لبنان في تحرير ثروته البحرية في سابقة لم يكن لها نظير في تحدي إرادة العدو ومن يقف خلفه وإفشال الحصار الذي فرضته القوى الداعمة له وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والقوى الخاضعة لها في محاولة لكسر إرادة المقاومة وإجبارها على الاستسلام.
وتابع…إن الذي يدفع بعض القوى السياسية والطائفية لزرع الخوف في بيئتها الخاصة من سائر المكونات اللبنانية هي حجج واهية لا واقعية لها مثل خطر الذوبان في المكونات الأخرى وهي ذرائع ترفعها هذه القوى الطائفية لأهداف سياسية وارتباطات خارجية لتحقيق أهداف لها علاقة بالمشاريع الغربية في المنطقة العربية لإضعافها لصالح هيمنة المشروع الصهيوني الذي يقوم بوظيفة الحارس للمصالح الغربية في هذه المنطقة ،وليس لها أي علاقة على الاطلاق بأخطار تشكلها طائفة على طائفة، وبعبارة صريحة لم يشكّل المسلمون في أي ظرف من الظروف سابقاً ولاحقاً خطراً على الوجود المسيحي في العالم العربي ولطالما عاش المسيحيون بين اظهر المسلمين من دون أي مشكلة حتى في الحروب الصليبية التي شنّها الغرب على بلاد العرب والمسلمين في الوقت الذي كان المسيحيون يتسنّمون مناصب عليا في الدولة كمستشارين ووزراء، وان الذي أثار مسألة المسيحيين وجعل منهم أقلية في المشرق العربي والإسلامي هو الغرب الاستعماري في وجه الدولة العثمانية من اجل استغلال المسيحيين في وجه الدولة العثمانية ، وهو ما تم رفضه من كثير من المسيحيين الذي وعوا في وقت مبكر خطورة هذا الطرح على نفس المسيحيين. ولذلك، فقد واجه المسيحيون في المشرق العربي والإسلامي هذه الدعوات بقوة، غير أنّ فئة منهم في لبنان تعرضت للتخوين من قوى سياسية مرتبطة بالخارج عملت على اثارة الحسّ الطائفي لدى المسيحيين لاستغلالهم في أجل تنفيذ مخططات الدول الغربية لإضعاف المنطقة والهائها بصراعات داخلية للوصول الى أهدافها في السيطرة أولاً على ثرواتها ووضع اليد على هذه المنطقة الاستراتيجية حيث ممرات التجارة العالمية.وهي سياسة مستمرة ما زالت تتبناها هذه القوى اليوم في وجه المقاومة لضربها بهدف تحقيق المشروع الغربي وإبقاء السيطرة على هذه المنقطة لما تشكله من موقع استراتيجي ولزيادة الشعور بالحاجة الى الطاقة التي لن تكون لها بدائل الى فترة طويلة مع كل ما تبثّه الدعاية الغربية لدفع بلدان المنطقة الغنية بالغاز والبترول الى زيادة الإنتاج وبيعها بأسعار زهيدة خوفاً من أن يأتي الوقت الذي تتوهّم ان يُستغنى فيه عنها بما يسمى بالطاقة البديلة، وقد كشفت الحروب التي شُنت باسم الربيع العربي ان السبب الرئيسي لها وللتنظيمات الإرهابية التي شُكّلت ان الغاية منها هي البترول والغاز في المنطقة ليستغني به عن الغاز الروسي تمهيداً لإضعاف روسيا وإخضاعها وتفتيتها أيضاً، فهي حروب الطاقة وليست من اجل أحد لذلك فإن أكبر جريمة تُرتكب بحقّ مسيحيي الشرق هي تشويه دور المقاومة والتآمر عليها لأنها الوحيدة القادرة على حفظ التنوعات الوطنية في بلداننا العربية والإسلامية، وقد أثبتت الاحداث التي تعرضت لها بلدان المنطقة وخصوصاً العراق وسوريا من الذي استهدف المكون المسيحي في العراق وسوريا ومن دافع عنه وعلى رأسها المرجعية الإسلامية الشيعية في العراق وإيران ولبنان وقوى المقاومة بشقيها السياسي والعسكري في لبنان وسوريا بدعم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أيها الاخوة الافاضل،إن سياسة المحافظة على الكيان اللبناني والوجود المسيحي في لبنان لا يكون بإثارة المخاوف لدي المسيحيين، فإن إثارة المخاوف هي التي تؤدي الى عدم الاستقرار وتؤجج المشاعر الطائفية وتخلق أوهاماً ليست حقيقية، وعلى العكس من ذلك فإن اندماج الطائفة المسيحية الكريمة في الدفاع عن مصالح لبنان كوطن هو الذي يخلق حالة الاطمئنان ويزيل حالة الشكّ والريب من إثارة حالة الخوف التي تدفع ببعض أبناء هذه الطائفة الكريمة الى الارتباط بمشاريع خارجية بحجة حماية نفسها من المسلمين.لذلك فإن الأوهام التي تثيرها بعض المراكز والقوى داخل الطائفة المسيحية من تغيير هوية لبنان والخوف على الوجود المسيحي في المنطقة هي نفسها تشكّل خطراً على الوجود المسيحي في الشرق وخصوصاً في لبنان الذي دفع المسيحيون فيه الثمن أكثر من غيرهم بفضل بعض القوى التي تطمح للتقسيم الذي بدأ يطل من جديد عبر دعوات الفدرلة وتقسيم بلدية بيروت بالتخويف من ثقافة المقاومة ونجاحها وتنامي قدراتها، وأن هذا يؤسس لهيمنة إيرانية على لبنان وفي نفس الوقت الذي تدّعي فيه الدفاع عن لبنان وسيادته تحاول الدفاع عن العمالة والعدو الإسرائيلي بمبررات واهية ، وتحاول إيهام المسيحيين بأنها تدافع عنهم عبر الخلط بين الخيانة والوطنية والسيادة، وهذا ليس فيه شيء من المنطق السيادي او الوطني. وهي دعوات مشبوهة على الأقل وتمويه على الحقيقة في ظل إثارة غبار طائفي يمنع من كشفها زيفها لصالح مشاريع خارجية لم تكن يوماً لمصلحة الوجود المسيحي لا في لبنان ولا في غيره من بلدان المشرق العربي، ويعلم المسيحيون في لبنان أن أحداً من المسلمين لم يعرض عليهم بواخر تنقلهم الى استراليا أو فرنسا وإنما جاء العرض من البلدان التي تُصور بعض القوى إنها حليفة للمسيحيين وضمانة لوجودهم في هذه المنطقة.وقد تنبّهت بعض القوى الوطنية المسيحية موهي قوى وازنة لهذه الحقيقة واتخذت موقفاً ايجابياً من المقاومة ولكنها أحياناً ولمصالح حزبية تقع في نفس الفخ وترتكب نفس الأخطاء، ربما تراها تكتيكية ومرحلية ولربما ترتبط بمصالح بعض الزعامات والأشخاص.هذه هي برأيي بعض الأسباب الأساسية للمشكلة اللبنانية التي تجعل من بعض اللبنانيين رأس جسر لتحقيق أهداف خارجية ليس لهم مصلحة فيها. ولا بد لنا هنا من التنويه بموقف سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز على موقفه الوطني الذي رفض فيه استلام الأموال المرسلة من فلسطين معتبراً انه يصنف ضمن التعامل مع دولة عدوة. لذلك المطلوب اليوم هو تكاتف ارادات اللبنانيين جميعاً لحماية لبنان الذي تخوّله القدرات التي يمتلكها التحول من دولة فاشلة الى دولة قوية ووازنة يعيش فيها اللبنانيون بكل امن واستقرار وازدهار ليس من مصلحة العدوان أن تتحقق لأنها ستكون النموذج للتعايش بين أهل اهم ديانتين كبيرتين الإسلام والمسيحية مما يناقض المشروع الصهيوني الذي يعمل على تمزيق المنطقة الى دويلات طائفية ضعيفة ليكون هو الأقوى.
وقال: إننا على مشارف محرم الحرام وأيام عاشوراء التي نحيي فيها ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) وهي مناسبة للتأكيد على إحياء هذه الشعيرة لانها تمثّل هويتنا، فالعلاقة مع اهل البيت (ع) ومع الامام الحسين (ع) هي علاقة دين وعقيدة ولا يمكن للإنسان أن ينسلخ عن هويته لأنه تخلٍ عن وجوده وعن رسالته التي يعود الفضل في بقائها الى هذا الدم الطاهر والنقي والمقدّس.إننا نؤكد على إحياء هذه المناسبة بما يليق بها من التأكيد على الارتباط الواعي بالثورة الحسينية وان نتعلم من أداء الامام الحسين (ع) الالتزام بموازين الحقّ في حياتنا والتوقف عند حدود الله تعالى وعدم التعدي عليها، ومن أخلاقه في التعاطي والطرح للقضية التي خرج من أجلها سواءً مع أنصاره أو مع مخالفيه وأعدائه وعدم إثارة القضايا بطريقة تنفّر الاخر، فإن الخطاب العاشورائي كما هو للمحبين والموالين هو أيضاً للاخرين ممن لا يرون في الحسين (ع) ما نرى او في أهل البيت (ع)، فلا بدّ من طرح قضية اهل البيت بالطريقة الإيجابية التي تدعو الاخر الى الاستماع وتجذبه اليه لا بالطريقة المنفّرة كالتعرض الى مقدساته ما يجعل بينك وبينه حاجزاً عن الاستماع والاطلاع على الحق.فإنّ الهدف أيضاً هو اسماع الغير ما نراه حقّاً وهو حقّ بلا إشكال الذي تحكمنا فيه آية الدعوة (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) (وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك اعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين) هذا عدا عن أن تناول مقدسات الاخر يستفزه مما قد يدعو الى الوقوع في الفتنة لا سمح الله.
والقى ممثل الامين العام لحزب الله سماحة الشيخ د.علي جابر كلمة قال فيها: نجتمع في مناسبة حزينة و أليمة على قلوب العلماء و المؤمنين، هي مناسبة فقد علم من أعلامنا كبير علماء جبل عامل سماحة آية الله العلامة السيد محمد علي الأمين (قده) الذي رحل إلى جوار أجداده الطاهرين بعد عمر مفعم بالنورانية و العلم و الجهاد.تميزت شخصيته بالزهد و التواضع و الحنان في علاقاته بالناس فأحبه كل من عرفه و إهتدى بنوره و علمه الكثيرون. لقد كان فقيدنا عالماً بحق، بسعته العلمية و معارفه المتعددة أدباً و علوماً عقلية و قرآنية و إجتهاداً في الفقه و الأصول و له اليد الطولى في تأسيس و رعاية الحوزات الدينية إلى جانب الإمام المغيب السيد موسى الصدر. و قد سمح عمره المبارك أن يكون ذاكرة قرن كامل فترك رحيله فراغاً في عالم التشيع و في لبنان خاصةً. لقد كان سماحة السيد حاضراً بفكره ووعيه و مواكبته الأحداث خصوصاً للصراع مع العدو الصهيوني و عدوانه و تهديداته الدائمة للبنان و جبل عامل بالخصوص و كانت له مواقف مشهودة في الصبر و الثبات و الصمود، لقد كان فقيدنا نموذجاً حياً لعلماء الشيعة على مر التاريخ الذين أفنوا حياتهم لخدمة الدين و مذهب أهل البيت عليهم السلام و الموالين و تحملوا المشاق و الآلام في هذا السبيل، فكان الغُرم عليهم ووهبوا الغُنم للدين و المؤمنين و لم يكن لهم هم إلا الآخرة.
واردف…إن تضحيات هؤلاء العلماء هي التي حمت التشيع و دافعت عن إيمان المؤمنين في مواجهة كل طامع و ضال و صاحب فتنة و حفظت العقيدة الإسلامية الصحيحة و شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه و آله، فكانوا كما وصفهم الإمام الصادق عليه السلام :علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس و عفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا و عنوأن يتسلط عليهم إبليس و شيعته.و كان فقيدنا (قده) مصداقاً بارزاً لهم. تميز سماحة العلامة(قده) في سنوات عمره الأخيرة بمواقف كبيرة على مستوى لبنان و المنطقة، مناصراً لقضايا الأمة و نصيراً للمستضعفين و مدافعاً عن المقاومة محباً للمجاهدين و شديد التأثر بالشهداء فكان يحرص على أن يصلي على العديد من جثامينهم و يخطب في مجالس تأبينهم، معتبراً أن حربهم ضد العدو الصهيوني و التكفيري هي حربه و جهاد عظيم في سبيل الله تعالى.كما كان داعياً و حريصاً على وحدة الصف لأجل مواجهة الأخطار و درئها عن الوطن و أهله، و داعياً للعيش المشترك.
وأضاف..كان سماحته شديد المحبة لقائد المقاومة السيد حسن نصر الله و يبدي إعجابه به و الرغبة في لقائه و قد لبى سماحة السيد رغبته في لقاء جمعهما منذ مدة ليست ببعيدة و قد إستمر اللقاء لساعات و كان حميماً و غنياً بحيث أن سماحة السيد سأله عشرات و عشرات الأسئلة و في مواضيع مختلفة مغتنماً فرصة اللقاء مع سماحة السيد المقدّس الذي كان مُفيضاً في أجوبته فبدا متّقد الذاكرة مستحضراً للتفاصيل فأثار إعجاب سماحة السيد نصر الله و إنجذب إليه بشدة و كان من ضمن الأسئلة و مواضيع اللقاء مسيرته مع سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر و تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى و رفقته للشهيد السيد عباس الموسوي (قده).
وختم بالقول:يا سماحة السيد إن المقاومة التي جاهدت على مدى ٤٠ عاماً منذ العام ١٩٨٢ لأجل تحرير الأرض و صيانة الحدود ليأمن أهلنا في القرى الحدودية خاصةً، و دافعت في وجه العدوان الصهيوني ثم في وجه العدوان التكفيري، هي تستعد اليوم لإنقاذ لبنان و إخراج شعبنا من أزمته و تحرير ثرواته من النفط و الغاز و حمايتها من العدو الصهيوني و الناهبين الدوليين لاسيما الإدارة الأمريكية، و كما هي وقفت و تقف إلى جانب وطنها و شعبها فإن واجب الجميع أن يقفوا معها كما كنت تدعو دائماً و أنه واجب وطني و أخلاقي و ديني لا يجوز التهاون به. فلتهنأ روحك في جنان الخلد إلى جوار أهل البيت عليهم السلام و الشهداء و الصديقين و حَسُن أولئك رفيقا.
والقى الشاعر الشيخ عباس عياد قصيدة بالمناسبة، ثم القى سماحة المفتي السيد مهدي الأمين كلمة ال الفقيد شكر فيها الحضور وكل من واساهم بفقد الراحل الكبير.
وفي الختام تلا سماحة السيد احمد الأمين مجلس عزاء حسيني.