لبنان يُعيد التأكيد على صحة الأم كأولوية وطنية في ظل التقدم المُحرز والتحديات المُلحة
يوم الصحة العالمي ٢٠٢٥: “بدايات صحية، مستقبل واعد”
لبنان يُعيد التأكيد على صحة الأم كأولوية وطنية في ظل التقدم المُحرز والتحديات المُلحة
بيروت، لبنان – 16 نيسان/أبريل 2025 – بمناسبة يوم الصحة العالمي 2025، أكد مكتب منظمة الصحة العالمية في لبنان، بالشراكة مع وزارة الصحة العامة، التزامه الراسخ بحماية صحة ورفاهية الأمهات والمواليد الجدد، مؤكداً أن صحة الأم تظل أولوية وطنية وحجر الزاوية في مسار لبنان نحو الصمود والتنمية.
أُقيم احتفال هذا العام، برعاية وزير الصحة العامة الدكتور راكان ناصر الدين، بمشاركة جهات وطنية ودولية ذات صلة تحت شعار “بدايات صحية، مستقبل واعد”. وتضمن الحدث كلمات لكل من الدكتور عبد الناصر أبو بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، والسيدة أليساندرا فيزر، مسؤولة التعاون في بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان.
أكد المتحدثون على ضرورة بناء أنظمة صحية شاملة وعادلة لا تترك أحدا بدون تغطية صحية. ويُعدّ شعار عام ٢٠٢٥ تذكيرًا بأن بناء مجتمع صحي ومزدهر يبدأ بحماية الأمهات والأطفال، وأن ضمان الحصول على جيل صحي قادم يعتمد على قوة أنظمتنا الصحية اليوم.
على الصعيد العالمي، لا تزال أرقام وفيات الأمهات والمواليد الجدد مثيرة للقلق، حيث يُسجل ما يقرب من 400,000 حالة ولادة جنين ميت و500,000 حالة وفاة بين المواليد الجدد سنويًا. في منطقة شرق المتوسط، تُمثل وفيات المواليد الجدد ما يقرب من 60% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة، بينما لا تزال بعض البلدان تُبلغ عن معدلات وفيات أمهات تصل إلى 600 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية – وهو ما يتناقض مع الهدف العالمي المتمثل في 70 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية بحلول عام 2030.
حقق لبنان تقدمًا ملحوظًا، محققًا انخفاضًا بنسبة 38% في وفيات الأمهات بين عامي 2000 و2017. ومع ذلك، تشير البيانات الحديثة إلى أن التقدم بطيء. في عام 2023، سجّلت البلاد 24 حالة وفاة بين الأمهات من أصل 93,697 ولادة، وهو رقمٌ يعكس تباطئ مُقلق.
بالأضافة الى أن معدلات وفيات حديثي الولادة والرضع والأطفال دون سن الخامسة في لبنان قد ارتفعت بشكل ملحوظ بين عامي 2018 و2023. فقد ارتفعت وفيات حديثي الولادة من 5.3 إلى 11.22 لكل 1000 ولادة حية، وارتفعت وفيات الرضع من 7.4 إلى 15.59، وارتفعت وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 9.6 إلى 18.16. وتعود هذه الانتكاسات إلى أزمات متعددة منها تقييدات الحركة خلال جائحة كوفيد-19 المطولة التي عطّلت الوصول إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب؛ والانهيار الاقتصادي المفاجئ والتضخم في عام 2022، مما جعل الرعاية الصحية بعيدة عن متناول الكثيرين؛ والتحديات الهيكلية مثل وجود اعداد محدودة من الأسرة في العناية المركزة في المناطق النائية. ولعبت العوامل الاجتماعية والثقافية دوراً أيضاً، حيث ساهمت الزيجات المبكرة بين اللاجئين وزيادة حالات الحمل في سن متقدمة بين النساء اللبنانيات الى نتائج أسوأ.
في كلمته خلال الفعالية، أكد الدكتور عبد الناصر أبو بكر على التزام منظمة الصحة العالمية الراسخ تجاه لبنان. وشدد على ضرورة رفع مستوى الوعي لدى النساء الحوامل وأسرهن، وتوسيع نطاق تدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، ومواصلة تعزيز النظام الصحي الوطني لخفض معدلات وفيات الأمهات والمواليد الجدد. وأشار الدكتور أبو بكر إلى أنه “على الرغم من التقدم الكبير المحرز في مجال صحة الأم، يجب ألا يتوقف العمل عند هذا الحد”.
كما أكد وزير الصحة الدكتور ناصر الدين بأن : “جوهر مهمتنا المشتركة هو ضمان منح كل طفل الفرصة للازدهار الصحيمنذ أول نفس ، وأن كل امرأة حامليجب أن تحصل على حمل وولادة بأمان وكرامة وتمكينها من. الوصول الكامل إلى الرعاية التي تحتاجها.”
و في مداخلتها اكدت السيدة فيزر “بأن لطالما كان الاتحاد الأوروبي شريكًا ثابتًا للبنان، لا سيما في الأوقات الصعبة ولحظات التغيير. ويمثل احتفال اليوم أيضًا فرصةً لإظهار دعمنا لرؤية لبنان المتمثلة في توفير الرعاية الصحية للجميع. ونظل ملتزمين بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه، لا سيما في ضمان استمرارية الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية الأولية، وصحة الأم والطفل. إن تعزيز نظام الصحة العامة هو مفتاح تحسين الصحة لجميع سكان لبنان. ويجب أن يكون هذا النظام موثوقًا وشفافًا، ومركّزًا على احتياجات الناس. “
في الواقع، في مواجهة التحديات، أظهر قطاع الصحة اللبناني، بدعم تقني من منظمة الصحة العالمية وتحت قيادة وزارة الصحة العامة، قدرةً على الصمود. على مدار السنوات الثلاث الماضية، اعتمد مكتب منظمة الصحة العالمية في لبنان نهجًا يجمع بين العمل الإنساني والتنمية والسلام، وذلك من خلال تلبية الاحتياجات العاجلة مع تعزيز قدرة النظام الصحي على المدى الطويل. ومن أهم الإنجازات وضع الاستراتيجية الوطنية للصحة، التي تُحدد رؤية واضحة لتحديث وإعادة بناء قطاع الصحة في لبنان مع التركيز على العدالة والجودة والاستدامة. وقد أظهر استعراض السنة الثانية لهذه الاستراتيجية تقدمًا مطردًا، حيث وثّق الممارسات القائمة، وحدد الثغرات، ورسم الحلول. إضافةً إلى ذلك، تعاونت منظمة الصحة العالمية وشركاء الأمم المتحدة مع وزارة الصحة العامة في خطة تسريع تُركّز على النهوض بالصحة الجنسية والإنجابية من خلال تحسين السياسات، وبناء القدرات، وضمان الجودة، والتوعية المجتمعية.
كما لعبت منظمة الصحة العالمية دورًا محوريًا في جهود لبنان لمكافحة السرطان، حيث دعمت وزارة الصحة العامة بخبراتها الفنية في وضع أول خطة وطنية لمكافحة السرطان في البلاد، وشاركت في العديد من اللجان الوطنية المعنية بالسرطان. في عام ٢٠٢٤، انضم لبنان إلى المبادرة العالمية لسرطان الأطفال، كما دعمت منظمة الصحة العالمية توفير أدوية السرطان الأساسية للمرضى الأكثر حاجة.
كما أُحرز تقدمٌ ملحوظٌ في مجال التحصين. ففي عام ٢٠٢٤، أطلقت منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة واليونيسف، حملةً وطنيةً لتطعيم الأطفال دون سن الخامسة المقيمين في مراكز الإيواء ضد شلل الأطفال والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. وقد نجحت الحملة في الوصول إلى ٨٠٪ من الأطفال المستهدفين في ٨٧٩ مركز إيواء، مما قلل بشكلٍ كبيرٍ من خطر تفشي الأمراض بين النازحين. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار والجهود لتحسين التغطية الشاملة بالتطعيم بين الأطفال ومنع تفشي الأمراض الرئيسية التي يمكن الوقاية منها باللقاحات..
على صعيد تقديم الخدمات، كان لعمل منظمة الصحة العالمية دورٌ محوري في تعزيز شبكة الرعاية الصحية الأولية في لبنان، مما أتاح توفير خدمات أساسية متمحورة حول المواطن على نحوٍ منصف في جميع أنحاء البلاد. وقد ارتفع عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تدعمها وزارة الصحة العامة إلى 317 مركزًا، مما يُلبي الطلب المتزايد على الرعاية الحادة والمزمنة، نتيجةً لتزايد الفقر، وانخفاض القدرة الشرائية، ونقص الأدوية في القطاع الخاص.
بين عامي 2018 و2024، ازداد استخدام خدمات الرعاية الصحية الأولية بنسبة 106%. وارتفعت نسبة المرضى اللبنانيين الذين يستفيدون من هذه الخدمات من 17% عام 2017 إلى 55% عام 2024، لتخدم ما يقرب من مليوني شخص. وتواصل منظمة الصحة العالمية توفير الأدوية المزمنة والحادة لأكثر من 500 مركز ومستوصف، ليستفيد منها أكثر من 250 ألف شخص من جميع الجنسيات، وهو ما يُعدّ شريان حياة أساسي في نظام يعتمد الآن بشكل شبه كامل على دعم الجهات المانحة.
في المستشفيات، دعمت منظمة الصحة العالمية 12 مستشفى حكومي بتوفير المعدات الأساسية والتدريب اللازم لتحسين جودة خدمات العناية المركزة والطوارئ. واستنادًا إلى التدريبات السابقة على الاستجابة للطوارئ، أطلقت منظمة الصحة العالمية برنامجًا وطنيًا لبناء القدرات في مجال التعامل مع الإصابات الجماعية، حيث درّب 5770 عاملًا في مجال الرعاية الصحية على إدارة حالات الطوارئ، والصحة النفسية، وأساليب تخفيف حدة التوتر. وفي الوقت نفسه، وزّعت المنظمة 240 مجموعة جراحية لعلاج الإصابات و10000 كيس دم، بالإضافة إلى تغطية تكاليف الاستشفاء لأكثر من 3000 مريض يعانون من أمراض حرجة. كما استفاد أكثر من 7,000
مريض من جرحى الحرب من الإمدادات والدعم التقني الذي قدمته منظمة الصحة العالمية لمستشفيات الخطوط الأمامية.
كما مكّن دعم منظمة الصحة العالمية من تفعيل مركز عمليات طوارئ الصحة العامة (PHEOC) في عام ٢٠٢٣، والذي أصبح محوريًا في جهود التأهب والاستجابة للطوارئ في لبنان، بما في ذلك خلال التصعيدات الأمنية الأخيرة.
وعلى صعيد التكنولوجيا الرقمية, دعت المنظمة إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية في النظم الصحية وقدمت كل انواع الدعم المتعلق بتحديث نظام المعلومات الصحية وإدارة سلسلة التوريد من أجل تعزيز المساءلة والشفافية
وساهمت المنظمة في تطوير رؤية وزارة الصحة العامة للتحول الرقمي في مجال الصحة العامة.
لم يكن من الممكن تحقيق أيٍّ من هذه الإنجازات لولا التعاون المتواصل لشركاء القطاع الصحي المتفانين وسخاء المانحين. فقد مكّنت مساهماتهم النظام الصحي اللبناني من مواصلة عمله واستجابته في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها الوطن.
مع احتفال لبنان بيوم الصحة العالمي 2025، تدعو منظمة الصحة العالمية جميع الشركاء والجهات المانحة والجهات المعنية إلى مواصلة دعمهم وتوسيعه. إن التقدم المحرز حقيقي، ولكنه هش. يجب أن تبقى صحة الأم والوليد على رأس أولويات الأجندة الوطنية، ليس فقط كضرورة صحية عامة، بل كأساس للسلام والازدهار والعدالة الاجتماعية.
حان الوقت للعمل على الاستثمار في سلامة كل أم، وفرصة كل طفل في الحياة، وأمل كل أسرة في غدٍ أكثر صحة.