كتب الشيخ الدكتور أسامة شعبان: تأمل طُبُول الحرب
كتب الشيخ الدكتور أسامة شعبان:
تأمل
طُبُول الحرب
بسم الله الرّحمٰن الرّحيم
1- أمام هول ما ترى وتسمع.. لا يفارق الحزن عينيك.. لا يهدأ قلبك في تسارعٍ لدقّاته.. تحاول ألّا تألف مشاهد القتل لئلّا تموت دهشتك وتبرد مشاعرك.. فيرتجف القلم وتتكلّس الأصابع.. ماذا تكتب ولمن؟! أهذا أوان السّيف والقلم؟! أم زمن النّار بالنّار.. والعسكر والدّم..؟! وأنا الذي وعدتُ والدي رحمه الله أن أنادي فوق قبره: حُرّرت فلسطين.
2- تحسَّسْ وجهَك، وانظُرْ يديك.. هل ترى دمًا؟! إنه جرح فلسطين.. تحت كلّ حجر في بلادنا دم.. والأصوات مبحوحة مذبوحة.. والأنظار ترنو إلى الأفق فارغةً.. والطّريق طويل ويَطُول! وفي بلاد الشّام في لبنان نحن منخرطون مع فلسطين، متداخلون مع مآسيها وشجونها.. نحن أكثر بلد عربيّ حمل ويحمل قضيّة فلسطين في وجدانه ونضاله.. وجيشُه ومقاومتُه يسطّران بالدّم دروس البسالة والبطولة في الدّفاع عنه وعن أهله، رغم الفارق بالنّسبة في العدد والعتاد.
3- لا أُضيف جديدًا إذا ذكرتُ أنّ فلسطين عبر التّاريخ مرّت باحتلالات طويلة، واستقلّت وتحرّرت في نهاية نضالاتها.. ففلسطين شجرةُ زيتون و”بيّارة” ليمون.. ولن تُخذل هذه الأمّة الفلسطينيّة المرابطة على الثّغور، فكما في كلّ قضيّة محقّة.. بل كما في كلّ نصر كبير.. هناك امرأة تحمل وتضع.. إنّها المرأة الفلسطينيّة الولّادة أمّ الشّهيد.. ولن تصاب أجيالها بإذن الله بعقدة الجمود ونومة الهمود، رغم الحدود والسّدود، في أكبر سجن مفتوح في الدّنيا.. بل ستكون فلسطين نور الشّمس في موكب الحياة، بوجه الّذين تنازلوا وتكاسلوا وتخاذلوا وتواكلوا… وحرقوا قلوبهم بخورًا أمام معابد أصنام المشركين من المغضوب عليهم والضّالّين.
4- في ظلّ الأوضاع المتسارعة في فلسطين الصّامدة والمنطقة العربيّة… تشعر بثقل الوقت.. بشيء ضاغط على قلبك.. تفرح بالجبال التي لا تهتمّ بالقصف، تأسف للواقع الصّعب، تستحي بماذا تجيب أولادك الصّغار السّائلين: لماذا يُقتَل الفلسطينيّون؟ لماذا لا ندافع عنهم؟! وتُمطرك المشاعر بحالة من الإرباك والأجوبة غير الكاملة.. فنحن أمّة قاربت المليارين، غنيّة بالكنوز فوق الأرض وتحتها، وثريّة بالشّباب والطّاقات والمواهب، وقويّة بالمخزون الحضاريّ الإنسانيّ، ومليئة بالقدوة الصّالحة سلفًا وخلفًا من القادة والسّادة..
5- هنا يولد الثّأر.. في عيون من بقي، نصرةً لمن رحل، وحفاظًا على أمانتهم وخطّ نضالهم، وتستمدّ العزم من الوعد الإلٰهي: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}[الإسراء] ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم، ويدمّروا ويهلكوا.
6- آدم عليه السّلام بنى المسجد الأقصى بعد أربعين سنة من بناء المسجد الحرام. صلّى فيه النّبيّ محمّد إمامًا بالأنبياء عليهم السّلام في ليلة الإسراء والمعراج. ذُكر في القرآن الكريم أنّه منتهى الإسراء وأنّ ما حوله مبارك: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء]. أحد المساجد الثّلاثة (مع المسجد الحرام والمسجد النّبويّ) التي تُشدّ الرّحال إليها بالسّفر، حيث ورد أنّها تُضاعَف الصّلاةُ فيه إلى خمسمئة. كان قِبلة المسلمين سبعة عشر شهرًا زمنَ النّبيّ محمّد عليه الصّلاة والسّلام. حرّره الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من البيزنطيّين 16هـ. وحرّره القائد صلاح الدّين الأيّوبيّ رحمه الله من الإفرنج 583هـ.
تأمّل الحلّ… تقوى الله بكلّ مندرجاتها مع اليقين والصّبر، وألّا نترك إخواننا يُذبَحون ونحن نستطيع ولا نفعل.. ولكلِّ مقصّرٍ حسابٌ: “القدسُ عَرُوسُ عُروبتِكم.. فلماذا أدخلتُم…” وتعرفون البقيّة. اللَّهمَّ أعِنْ مَن نصرهم، وأخْزِ مَن خذَلهم.