فضل الله في كلمته بمؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران: لإعادة النظر بنصوص واجتهادات الصدام المذهبي
ألقى سماحة السيد علي فضل الله كلمة في المؤتمر 37 للوحدة الإسلامية الذي عقد في طهران تحت عنوان:” التعاون الإسلامي لتحقيق القيم المشتركة”، حيا في بدايتها كل الجهود التي بذلت وتبذل لتعزيز هذه الوحدة والتقارب بين المسلمين إن على الصعيد السياسي أو الجهادي أو الاقتصادي أو الثقافي أو على الصعيد العلمائي أو الفتاوى التي تصدر من الفقهاء.
ورأى سماحته أن الخطر لا يزال محدقاً بالوحدة الإسلامية، وهو ما نشهده في الإساءات التي تصدر من أتباع هذا المذهب لرموز المذهب الآخر والطعن بهم والمس بمقدساتهم، وقد تصل إلى حد الاتهام بالشرك أو التكفير لهذا المذهب أو ذاك، من ثم إلى العنف…
ورأى أن المنطق التكفيري وإن رأيناه ضعف في هذه المرحلة بفعل التبريد الذي بتنا نشهده على الصعيد السياسي من خلال المصالحات التي جرت أخيراً، فإنه لا يزال حاضراً، وقد يعود الحضور إذا عاد التوتر إلى الساحة السياسية، معتبراً أن المسؤولية لا تنحصر بمذهب دون آخر، بل يتحملها أتباع كل المذاهب الإسلامية وإن تفاوتت قوة وضعفاً بينهم.
وقال: إن معالجة هذا الواقع لا تكفي فيها اللقاءات والتجمعات الوحدوية والحديث عن المشتركات بين المسلمين التي تحكم علاقة المسلمين إن لم يتم تعزيزها بجهود أساسية أهمها: أن يبادروا إلى خطوات عدة، وهي تتمثل أولاً باستمرار العمل لتبريد الخلافات بين الدول الإسلامية وتعزيز التعاون بين العاملين على هذا الصعيد داخل كل بلد إسلامي، وهنا لا يسعنا إلا أن نقدر الجهود التي بذلت للتقارب بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية ومع الدول الإسلامية الأخرى، وكذلك هذا التفاعل الجهادي الذي يجري بين القوى الإسلامية الجهادية على تنوع مذاهبها في مواجهة الكيان الصهيوني وفي أكثر من ساحة، وهو الأمر الذي ينعكس إيجاباً على صعيد التقريب بين المسلمين…
وأضاف نريد لهذا المسار أن يتكرس في داخل كل بلد لإزالة أي مظالم يشعر بها أتباع هذا المذهب أو ذاك من أتباع المذهب الآخر والتوقف عن سياسة التخويف المتبادل بينها، وبناء علاقات متوازنة، في دولة تقوم على العدالة والحرية والمساواة، فالظلم إن لم يعالج هو باب من أبواب الفتنة أو يهيئ مناخات لها.
ودعا إلى إعادة النظر ومراجعة الأفهام والاجتهادات والنصوص التي تؤدي إلى توتير العلاقة بين المسلمين، وإظهار قصورها لجهة صحة السند أو الدلالة أو تاريخيتها أو دخولها تحت باب العناوين الثانوية أو لتناقضها مع نصوص واجتهادات أخرى ومعارضتها للرؤية القرآنية العامة للعلاقة مع المسلمين، والتي تؤكد على وحدة المسلمين وقوتهم واعتبار صون الوحدة الإسلامية وتعزيزها حاكماً على هذه النصوص وهو ما عبر عنه أمير المؤمنين(ع)، عندما قال: “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين”…
وشدد على أهمية تعزيز الوعي داخل الأمة الإسلامية لا سيما في إدارة الحوار بين نخبها المذهبية في القضايا الخلافية، أن يكون الحوار بين المسلمين هادئاً موضوعياً وعقلانياً يسعى للوصول إلى الحقيقة لا لتسجيل النقاط، أما فيما يخص الأسلوب الذي ينبغي أن يعتمد، وخصوصاً على صعيد الخطاب، بأن يكون الخطاب على الصورة الأحسن الذي دعا إليه الله سبحانه… والأحسن يعني عدم استفزاز الآخر وإثارة مشاعره عند الخطاب أو عند ردود الفعل.
وأوضح أن القرآن الكريم اتخذ موقفاً حاسماً من السباب حتى مع المشركين رغم عظم ما هم عليه، كما جاء النقد الحاد الذي وجهه أمير المؤمنين(ع) لأصحابه حين أخذوا يسبون أهل الشام في أثناء معركة صفين، وهكذا كان موقف رسول لله(ص) من اللعن، عندما قال: “لا ينبغي المؤمن أن يكون لعاناً”، وعندما قيل له في معركة أحد، ادع على المشركين، فدعاؤك يصل إلى الله، قال(ص): “إني لم أُبعَثْ لعَّاناً، وإنما بُعِثتُ رحمةً مهداة”…
وتوجه سماحته إلى العلماء والمفكرين داعياً إلى ضرورة تعزيز القراءة العلمية والموضوعية للمذهب الاخر وتدبر منطلقاته وحيثياته وأدلته وحججه، وألا يقتصر النظر إلى اتجاه واحد من اتجاهاته، ففي كل مذهب اتجاهات وآراء في كل ميادين المعرفة الإسلامية، مؤكداً أن القراءة المنصفة للآخر والبعيدة من الصور النمطية السائدة والأحكام المسبقة، والقائمة على المعايير العلمية، تجعل الكثيرين يعيدون النظر في العديد من التصورات والآراء السلبية التي كانت قد تكونت لديهم عن هذا المذهب أو ذاك، بحيث يقود هذا التوجه إلى إعادة تشكيل صورة متوازنة وموضوعية عن المذهب الآخر، وأن ذلك سوف يُظهر بأن هذه الاختلافات تعود إلى أسس علمية واجتهادية، وسوف تشكل بالتالي مصدر غنى للفكر الإسلامي، وهذا لا يعني أن الاختلاف في هذا المجال سينتهي ولكنه سيكون قائماً على قاعدة متينة من التوافق على المشتركات…
وحث كل المعنيين بتطوير العلوم الإسلامية إلى فتح باب الاجتهاد في كل دوائر المعرفة الدينية، بأن لا يقف عند الفقه بل أن يشمل العقائد والتاريخ والمفاهيم وفهم النص القرآني ووصولاً إلى اللغة؛ والذي يقوم على الشروط العلمية المطلوبة وبالاستفادة من كل هذا التراث العلمي الغني الذي أنتجه المسلمون جميعاً فضلاً عن المنجز العلمي المعاصر، وسوف تؤدي هذه الحركة الاجتهادية العلمية إلى إعادة نظر في الكثير من نصوص القطيعة والصدام بين المذاهب الإسلامية، وتقديم خطاب إسلامي معاصر يخاطب العالم بهمومه وتحدياته…
ونبه سماحته إلى إننا في مرحلة يراد فيها للأرض أن تهتز تحت أقدام المسلمين، حيث أكثر من دولة مؤهلة لتصبح فاشلة، أو معرضة للمزيد من التجزئة والتفتيت والفتن، فيما الحصار الدولي يستهدف كل من لا يزال سداً أمام سياسات الاستكبار العالمي لاستدرار تراجعات تتعلق باستقلال بلاد المسلمين وحريتها، وحيث يعاني الجميع إما في بلادهم أم في العالم بفعل الهجرة التي تتصاعد كل يوم ولو حملت المخاطر بحثاً عن عيش كريم، وكل ذلك يتطلب الحضور في الساحات التي نتواجه فيها بما يؤدي لمواجهة هذه التحديات والحد من آثارها وتداعياتها، لكن هذا لن يتحقق إذا بقي كل منا يكيد للآخر لإضعافه وإسقاطه بدلاً من أن يعززه ويقويه، ولم نصغِ إلى كلام الله الذي يدعونا إلى الوحدة والاعتصام بحبله لنا بدلاً من الوقوع في فخ عصبياتنا وانفعالاتنا…