سنديانة فلسطين الحاجة أم ناصر “هم يهدمون بيتي لكنهم لا يهدمونني”!
إعداد وحوار ربى يوسف شاهين.
الأم الفلسطينية التي جمعت في حناياها كل المشاعر، فامتزجت بسخاء السيدة الخنساء في التضحية، وعنفوان ملكة تدمر، وصبر النبي أيوب، هي سندياية فلسطين الحاجة لطيفة ناجي “أم ناصر”.
تقول الحاجة أم ناصر في بداية حديثها “بيتنا بيت متواضع كبيت أي فلسطيني يعيش تحت الاحتلال، أنجبت أبنائي تحت سقف هذا البيت المتواضع, وكغيرهم من أبناء هذا الشعب نشؤوا وترعرعوا في هذا البيت، وعلى أصوات الرصاص وأنباء الاستشهاد وفقدان الأحبة في الأسر , والاقتحامات المتواصلة يوميًا لمنزلنا والعبث بمحتوياته، عدا عن عمليات الترهيب اليومية التي كنا نتعرض لها، فكان طبيعيًا جدًا أنّ ينشؤوا ويكبروا وهم يحملون قضيتهم قضية وطنهم المسلوب في قلوبهم”.
وتضيف الحاجة أم ناصر” بدأت فلسطين تسكن قلوبهم وتعتري تفكيرهم، وأصبحت شغلهم الشاغل وهمهم الأول والأخير، وبدأوا بترجمة هذا الحب على أرض الواقع، حيث حملوا على عاتقهم الدفاع عن أرضهم وعرضهم، وبدأوا يقاومون الاحتلال بجوارحهم قبل أنّ يقاوموه بأيديهم”.
تؤكد الحاجة أم ناصر “من هنا بدأت الحكاية التي انتهت بهم أسرى أبطال داخل زنازين الاحتلال، وأخر شهيد في جنات النعيم وبيت مهدوم للمرة الرابعة, فرقوا الأحبة وهدموا بيت النضال, لكنهم لم يستطيعوا أنّ ينتزعوا فلسطين من قلوبنا، فنحن باقون كأشجار الزيتون دماؤنا مختلطة مع تراب هذه الأرض وأرواحنا فداء لها، افعلوا ما شئتم واهدموا ما شئتم نحن باقون على هذه الارض”.
ولحديث الدكتور ثائر غضبان عن الحاجة أم ناصر بُعداً إنسانيًا خالصًا، إذ يقول “ملحمة فلسطينية كنعانية اصيلة أم ناصر أبو حميد، إمرأة بحجم وطن، وحكاية ملحمة نضالية يجب أن لا تُنسى “خنساء وسنديانة فلسطين” هي أمي وأنا لست من رحمها، بل هي أمنا جميعاً ونحن أبناؤها، تذكرنا بأمهاتنا ومعانياتهن مع سنوات أسر الأزواج والأبناء والأحفاد ، وتضطرني قسراً لاستحضار أمي التي أنجبتني من رحمها وحكايتها مع السجون على مدار ربع قرن من الزمن”.
يضيف الدكتور غضبان “كان يوم عيد حقيقي بالنسبة لي أول يوم التقيت بأمي أم ناصر أبو حميد في مطعم الساحة حيث تم تكرييمها بحضور الفنان المقاوم معين شريف، ومختار فلسطين وبرج البراجنة أبو العبد، ووجود الأخ القائد منير المقدح، والأخ الأسير المحرر ابراهيم برناط، والفنان الرائع عمار حسن، وحشد من الأخوة والأخوات في مخيم برج البراجنة”.
ويتابع الدكتور غضبان قائلاً” ذكرني أخي الفنان معين شريف بوجه التشابه الرائع بين لقائنا بوالدتي أم ناصر أبو حميد ولقائنا قبل سنوات عديدة بسيادة المطران عطا الله حنا بالقاهرة، حيث كانت رحلتنا للقاهرة لمدة 24 ساعة نتعطر برائحة مقدساتنا من خلال سيادة المطران ونعود إلى بيروت، يومها قال لي معين شريف أخي ثائر جئنا لنمد سيادة المطران بالمعنويات فإذا به يمدنا نحن بالمعنويات، ونفس الكلام قاله لي معين شريف أثناء لقائنا بوالدتي أم ناصر أبو حميد”.
يقول الدكتور ثائر الغضبان واصفًا الحاجة أم ناصر” مثقفة ومتحدثة وجبارة، لم أراها يومًا ضعيفة ولم أرى يومًا الدمعة تنزل من مقلتيها، مع أنه لديها شهيد و6 أبناء أسرى ومحكومين مؤبدات”.
ويستطرد الدكتور ثائر قائلاً” أذكر أنه أثناء هدم بيتنا في مخيم الأمعري يوم الخميس بتاريخ 24-10-2019 كنت معها على الهاتف تقريباً بشكل دائم، وكم كانت سعادتي كبيرة بوجود الأخ الوزير عساف مرافقًا لوالدتي حيث أنهم اضطروا باللجوء إلى المدرسة في مخيم الأمعري، وكانت سعادتي لا توصف مع أن الإحتلال يهدمون بيتنا، لكن سعادتي كان مصدرها والدتي الذي كان كلامها صلبًا وبدون أي ارتجاف”.
ويعقب الدكتور ثائر قائلاً” هدم مستمر وصمود أمي المثالية متواصل.
لطيفة ناجي ، أو كما تحب أن يُنادى عليها “أم ناصر” ، نسبة لأبنها ناصر ، قائد كتائب شهـداء الأقصى في الضفة الغربية المحتلة، والقابع في سجون الاحتلال يقضي حكمًا بـ (225 عاما) ، مثالًا في الصبر والثبات والتحدي، رغم كثرة الألم والوجع واستمرار مسلسل الهدم لمنزلها، الذي عاشت فيه لسنوات طويلة، ربما أطول من عمر الإحتلال، وتعبر الحاجة أم ناصر عن صمودها وشموخها بالقول “هم يهدمون بيتي ، لكنهم لا يهدمونني”.
يتابع الدكتور ثائر الغضبان حديثه بشجون لا يُوصف، وعواطف لا تنصب، إذ يقول ما قالته الحاجة أم ناصر “تقول والدتي أم ناصر، المرأة السبعينية بصوت خافت لا يخلو من نبرة التحدي لامرأة مؤمنة بقدرها ودورها في مواجهة المحتلين الغزاة ، إن أحد ضباط الاحتلال اتصل بها هاتفيًا، وقرأ لها قرارًا يقضي بهدم منزل عائلتها، الذي جرى هدمه نهاية العام الماضي، وطلب منها الاعتراض خلال أسبوع ضد قرار الهدم، لكنها رفضت ذلك كون أن محاكم الاحتلال صورية وظالمة، وبعد أيام من الاتصال نفذ المحتلون قرار الهدم”.
في هذا الإطار يؤكد الدكتور ثائر أن الإحتلال هدم منزلها للمرة الخامسة، بحجة أنّ أرض المنزل مصادرة، ولا يجوز أنّ يعاد البناء عليه من جديد، متسائلة بنبرة فيها الكثير من الواقع المر الذي تعيشه : “ أرضي مصادرة ؟ لم أكن أعلم مسبقا بهذا الشيء، أنا أسكن في هذه الأرض منذ عشرات السنوات، لماذا صودرت وكيف ومتى؟، ولماذا أنا دون كل بيوت المخيم؟، هذا المحتل يستهدفني بعد أنّ عجز عن استهداف أبنائي”
وأوضحت الحاجة أم ناصر ، أنّ أول عملية هدم تعرض له المنزل كان في عام 94 ، ثم تلا ذلك في أعوام ( 2003 ، 2018 ، 2019 ) ، وكان آخر عملية هدم للمنزل في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي ، بعد أن “ اتهمت قوات الاحتلال أحد أبنائها ( إسلام أبو حميد ) بقتل جندي من وحدة الدوفدوفان في مايو/ أيار الماضي بإلقاء حجر كبير عليه من بناية عالية في المخيم”.
منذ 20 عامًا وأسرة الحاجة أم ناصر لم تجتمع ولو مرة واحدة على مائدة الإفطار أو أي مناسبة عائلية ، وكيف يحدث ذلك وهم داخل المعتقلات الصهيونية يترددون عليها واحد تلو الآخر أو جماعات ، ويتنقلون بين زنازينها وأقبية تحقيقها.
ما أروع تلك المرأة وما أعظم شأنها، أم يوسف أو أم ناصر أبو حميد، هي مدرسة في الصبر، بدأت حكايتها مع الأسر منذ ثلاثة عقود ولم تنته بعد ..!!.
ويختم الدكتور ثائر الغضبان حديثه عو الحاجة أم ناصر “حقًا هي أمي وأنا لست من رحمها وأفخر بها، وهي تستحق أن يُطلق عليها “خنساء فلسطين”، فكم أنت عظيمة أيتها الأم الفاضلة.
أشبه والدتي أم ناصر بأمي فلسطين، تحمل بطياتها عظمة شعب الجبارين , مرفوعة الهامة دائما، شامخة بعظمتها حين انظر لعينيها , حقيقي أرى فلسطين التاريخية.
نسأل الله العظيم أن يجمع شملنا وبلقائي مع اخواني الأسرى تحت أشعة شمس الحرية
2021-01-15