خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي ما ورد عن الحسين(ع) وهو في قلب معركة كربلاء، حيث ورد في سيرته أنه حين حضر وقت صلاة الظهر وفي وقت كانت المعركة على أشدها، جاء أبو ثمامة الصيداوي وهو أحد أصحاب الحسين(ع) إلى الحسين وقال له: ” يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء! إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأنا أحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها: فرفع الحسين(ع) رأسه إلى السماء، ثم قال: “ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم، هذا أول وقتها”..
فوقف الحسين(ع) مع أصحابه وأهل بيته يصلون، وفيما وقف سعيد بن عبد الله الحنفي أمامه يقيه من النبال التي كانت توجه إليه(ع) وهو في صلاته وبقي على هذه الحال حتى أثخن بالجراح من النبال التي وصلت له وما إن انتهى الحسين(ع) وأصحابه من الصلاة حتى سقط هذا الصحابي الجليل على الأرض وقبل أن تفيض روحه الطاهرة توجه إلى الحسين(ع) قائلاً: أوفيت يا بن رسول الله، قال: “نعم، أنت أمامي في الجنة”.
أيُّها الأحبة:
هذا هو الحسين وها هم أصحابه كانوا واعين لأهمية الوقوف بين يدي الله للصلاة، لذا لم يشغلهم عنها شاغل، وحرصوا أن لا يؤخروها، وأن تكون صلاتهم في أول وقتها ولأجلها تبذل الدماء.
إن إخلاصنا لهذه الصفوة الطيبة لن يكتمل إلا بالالتزام بما حرصوا عليه بالحفاظ على الصلاة وأدائها في وقتها وعدم التهاون بها، وأن نحرص أن نؤديها في أول وقتها، ومتى فعلنا ذلك فستتعزز علاقتنا بالله وسنكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من الاستحقاق الرئاسي الذي يبدو أنه سيبقى في حال مراوحة إلى أجل نخشى أن لا يكون قريباً، بعدما أصبح واضحاً أن لا رغبة حتى الآن لأي من القوى السياسية بتغيير مواقفها من الخيار الذي أخذته على صعيد هذا الاستحقاق رغم وعي كل منهم أن لا أحد قادراً على حسم خياره فيما الخارج الذي يراهن عليه أنه هو الملاذ للحل لا يبدو أنه على عجلة من أمره لاعتبارات لدى هذا الخارج وكلٌ له اعتباره.
وإذا كان من حراك كالذي حصل بزيارة الموفد الفرنسي، فرغم أنه فتح كوة للحل من خلال دعوته لحوار يرعاه بعد عودته من إجازته الصيفية، فلا يبدو وفي ظل ما صدر من مواقف وما سيصدر أن الطريق إليه ممهدة وإن حصل لن يكون باباً للحل في ظل عدم استعداد أي من الأطراف للتنازل عن خياراتها التي تراها مصيرية تتصل بوجودها أو حضورها.. ونحن في الوقت الذي نرحب بأي حوار يدعى إليه اللبنانيون وندعو إليه، لكننا نخشى أن يكون هذا الحوار هو من باب تمرير الوقت الضائع انتظاراً لإنضاج حلول على صعيد المنطقة أو العالم لا بد أن تسبق أي حل في هذا البلد.
لذلك نعيد ما كنا ندعو إليه القوى السياسية المعنية بهذا الاستحقاق أن تتحمل مسؤوليتها بالقيام بالدور المطلوب منها بإخراج هذا الاستحقاق من حالة المراوحة وأن تقوم بواجبها بإخراج من أودعوهم مواقعهم ولا يزالون يقفون معهم رغم معاناتهم المستمرة والتي تزداد يوماً بعد يوم إن على الصعيد المعيشي والحياتي أو التفلت الأمني الذي يهدد أمنهم واستقرارهم وحياتهم أو التداعيات التي أدى إليها بالوصول إلى الشغور في حاكمية المصرف المركزي وما قد يتسبب إليه من آثار قد تكون كارثية على الانتظام المالي أو على صعيد الاستقرار النقدي بعدما أصبح واضحاً أن لا إمكانية لتعيين حاكم في ظل الظروف الراهنة والعقبات التي تقف أمام تسلم نواب الحاكم لمهامهم، وهنا نأمل أن يسارع لإزالتها منعاً لأية تداعيات يتسبب بها الشغور في هذا الموقع.
ونبقى على هذا الصعيد، لنشير إلى المسؤولية التي تقع على حاكم المصرف المركزي بأن يقدم حسابه للبنانيين قبل أن يغادر موقعه، وأن يجيب عن الأسباب التي أدت إلى وصول البلد إلى ما وصل إليه إن على صعيد مالية الدولة والمصارف لكونه المؤتمن عليها أو الرقابة على المصارف والضامن لها تجاه من أودعوا أموالهم عندهم…
إننا نخشى أن يغادر الحاكم ونغرق في الحديث عمن يتولى موقعه في غيابه وتضيع الحقائق بفعل التغطية التي يمتلكها وفي دولة ينعدم فيها الحساب، فلا يعرف معها اللبنانيون أين ذهبت أموالهم أو أموال الدولة التي كان الحاكم للمصرف المركزي وفريقه ضامناً لها.
ونتوقف عند الجريمة التي حصلت في منطقة السيدة زينب(ع) والتي أدت إلى سقوط عدد كبر من الشهداء والجرحى.
إننا إذ ندين هذا التفجير الذي تقف وراءه جهات تسعى لضرب استقرار هذا البلد والمس بوحدته وإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية، فإننا ندعو إلى الوعي والحذر، كما ندعو إلى مزيد من الوحدة والعمل الجاد لمواجهة هذا المخطط الإجرامي وأهدافه وكشف مرتكبيه لمنعه من تحقيق أهدافه.
وأخيراً نتوقف عند العاشر من محرم الذي يأتي إلينا ليذكرنا بما حصل في هذا اليوم الأليم من استباحة دم ابن بنت رسول الله وأهل بيته وأصحابه وسبي نسائه، لا لذنب لهم بل لأنهم أرادوا إيقاظ الأمة من سباتها وبعث الحياة فيها لتؤدي دورها في إصلاح واقعها وإزالة الفساد الذين راح يعبث فيها ويهددها والانحراف الذي راح يدب في مفاصلها.
إننا معنيون أن نشارك كل هذه الصفوة الطيبة آلامهم ومعاناتهم وأن نرفع راية الإصلاح التي رفعوها في مواجهة كل أنواع الفساد، وأن نتحرك بها في المجالس وفي المشاركة بمسيرات العزاء، والتي نريدها أن تكون بشعاراتها وممارساتها ومظاهرها تعبيراً حضارياً نقدم فيها الصورة المشرقة لتلك الصفوة الطيبة والأهداف التي عملوا لها، فلا نسمح لأي مظهر يشوه هذه الصورة ويسيء إلى الحاملين للوائها.
في الوقت الذي نريدها مناسبة وحدوية جامعة لكل المسلمين ولكل دعاة الإصلاح والحق والعدل والحرية، وأن يقوم الجميع في إحيائها في أبهى صورة من صور الوحدة الإسلامية وكتعبير عن محبة الجميع للحسين(ع).