خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم بما أوصى به رسول الله(ص)، وورد عنه(ص) أنه التقى يوماً بفتى، فسأله رسول الله(ص): “أتحبني؟ فقال له الغلام: إي والله يا رسول الله، فقال له رسول الله(ص) مثل عينيك؟ قال الفتى: أكثر، فقال له رسول(ص): مثل أبيك؟ فقال: أكثر، فقال له(ص): مثل أمك؟ قال الفتى: أكثر، فقال له النبي(ص): مثل نفسك، قال: أكثر والله يا رسول الله.. فقال: أمثل ربك؟ فقال الفتى: الله الله يا رسول الله، ليس هذا لك ولا لأحد، فإنّما أحببتك لحبّ الله. فالتفت النبي(ص) إلى من كان معه، وقال: هكذا كونوا، أحبّوا الله لإحسانه إليكم وإنعامه عليكم وأحبّوني لحبّ الله”.
هذه وصية رسول الله(ص)، أن يكون حبنا لله خالصاً وإذا أحببنا أحداً فلحبه لله تعالى، وهذا هو ما نقرأه في الدعاء: ” أَللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَل يُوصِلُنِي إلى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا سِواكَ”.
وبذلك نكون أكثر وعياً ومسؤولية ونكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من هذا البلد الذي مرت عليه ذكرى الاستقلال التي تأتي لتذكر اللبنانيين باستقلالهم ومناسبة لتكريم من بذلوا جهوداً وقدموا تضحيات من أجل إخراج البلد من نير الانتداب الفرنسي وهم يستحقون هذا التكريم.
لكننا نريد لهذا الذكرى أن تتوسع دائرتها لتشمل كل من قدموا التضحيات الجسام من أجل تحرير أرضه من العدو الصهيوني ومن كل محتل وغاز لهذه الأرض الطاهرة، ولكن من حقنا أن نسأل مع كل اللبنانيين إذا كنا استطعنا أن نحرر الأرض ممن احتلوها، فهل نحن اليوم ننعم فعلاً بالاستقلال، وهل أن قرارنا السياسي والاقتصادي والأمني هو بأيدينا.
إنا نأسف أن نقول لا، فنحن اليوم رهينة تدخلات الخارج، ننتظر كلمة السر منه لننعم باستحقاق رئاسي أو حكومي أو أي استحقاق… أو لتعالج أزماتنا الاقتصادية والمعيشية أو لنحظى باستقرار أمني وحتى للدفاع عن أنفسنا…
وهذا لن يتحقق إلا عندما تحرر إرادات من يديرون البلد ويخرجوا من رهاناتهم الخارجية ومصالحهم الخاصة والفئوية.
في هذا الوقت، تستمر المراوحة على صعيد الاستحقاق الرئاسي حيث لا يزال كل فريق ملتزماً بالسقوف العالية التي ذهب إليها، فيما إنجاز الاستحقاق الرئاسي يتطلب التنازل الذي بات لا بد منه في ظل التوازن الموجود داخل المجلس وعدم قدرة أي فريق على ترجيح كفته على الأخرى، ما يجعل البلد أسير الفراغ إلى فترة يخشى أن تكون طويلة ما لم تحصل أي تطورات على هذا الصعيد.
ونحن في هذا المجال، نعيد دعوة القوى السياسية المتمثلة في المجلس النيابي إلى أن يكونوا أمناء على من أودعوهم مواقعهم وأعطوهم قيادهم، بالعمل الجاد للخروج من هذا الفراغ القاتل الذي بات يضغط على صدور اللبنانيين ويهدد مصالحهم واستقرارهم، والتوصل إلى صيغة تؤمن انتخاب رئيس أمين على هذا البلد وإنسانه، ويملك الكفاءة لإخراجه من النفق المظلم الذي دخل فيه.
في هذا الوقت، يستمر الوضع المعيشي على حاله من التردي والذي بشر اللبنانيون بأنه سيزداد قتامة بفعل رفع سعر صرف الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة دفعة واحدة، والذي لن تقف تداعياته على ارتفاع السلع والمواد الغذائية والدواء والاستشفاء بل يشمل تأثيره إلى التدفئة، حيث الكلفة العالية للمازوت والحطب وتأثير ذلك على الثروة الحرجية في البلد فضلا عما ما تشير إليه التقارير الأمنية من ارتفاع كبير في نسبة جرائم السرقة في هذا العام وجرائم القتل ونسب الانتحار…
ونحن على هذا الصعيد، نتوقف عند التقرير الخطير لمساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان الذي وصف المشكلة في لبنان بالجريمة ضد الإنسان، بعدما انحرف مصرف لبنان عن المعايير الدولية من دون أن يتم التدقيق عليه من قبل أي لجنة برلمانية أو قضائية في ممارساته، ما أدى إلى تبخر أموال المودعين وضياعها ووصول هذا البلد وإنسانه إلى المنحدر الذي وصل إليه.
ونبقى على الصعيد الفلسطيني، لننوه بالعملية المزدوجة وبالاحترافية والدقة التي اتسمت بها في القدس، رغم كل الإجراءات الأمنية التي يعتمدها العدو الصهيوني في القدس والضفة الغربية ما أوقع المنظومة الأمنية الصهيونية في مأزق كبير، وقد جاءت هذه العملية رداً على ممارسات هذا العدو بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، لتؤكد مجدداً أن لا أمن ولا أمان له ما دام يحتل الأرض ويعبث بالمقدسات أو ما دام الشعب الفلسطيني يعاني من صلف الاحتلال واعتداءاته وإذلاله.
وأخيراً وفي أعقاب الانتهاء من قمة المناخ التي انعقدت في شرم الشيخ وما صدر عنها من قرارات قالت عنها الصحف الغربية بأنها تتسم بالتردد والتهرب والعرقلة، من الدول الصناعية والتي اكتفت بإنشاء صندوق لتعويض الخسائر الناجمة عن التلوث المناخي والبيئي، من دون أن تعالج الأسباب التي أدت إليها والتي تعود إلى الانبعاثات الصناعية التي باتت تهدد الأرض ومن عليها وما عليها، وهو ما يشير إلى مدى الانحدار القيمي لدى هذه الدول التي لا تعرف قيمة للإنسان ومستقبله ولا تعمل إلا لتحقيق مصالحها وأطماعها حتى لو أدى ذلك إلى دمار الأرض ومن عليها…