المشهدُ في الضفة الغربية بعينٍ أمنيةٍ إسرائيليةبقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تنظر سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى العام 2022 بقلقٍ شديدٍ، وترى أنه عامٌ متفجرٌ ملتهبٌ، صاخبٌ مضطربٌ، وأن أحداثه ساخنة وعملياته مستمرة، وأن مشاهده متعددة وأطواره متغيرة، وأن فصوله تتوالى تباعاً، وتتواصل أحداثاً ولا تتوقف عنفاً، مما ينذر بخروج الأوضاع العامة عن السيطرة، ويفشل مختلف الإجراءات الأمنية في ضبطها وإعادة الاستقرار والهدوء إليها وإلى القدس والضفة الغربية على وجه الخصوص.
ويبدو لهم أن الضفة الغربية ومعها القدس قد خرجت عن السيطرة، وثارت على القيود، وانتفضت ضد السياسات الأمنية والعسكرية المتخذة ضدها، ولم تعد تجدِ معها عمليات الاعتقال التي فاقت هذا العام وحده الثلاثة آلاف حالة اعتقال، ولا عمليات القتل والتصفية التي تقترب من المائتي شهيد، فضلاً عن استمرار سياسات نسف بيوت المنفذين، ومعاقبة ذويهم وعائلاتهم، واعتقالهم وحرمانهم من العمل في الداخل، ومئات الاقتحامات والاجتياحات التي اقتربت من ألف عملية اقتحام عسكرية وأمنية، مصحوبة باشتباكاتٍ مسلحة، وإطلاق نارٍ مستمرٍ.
كما لم تجدِ الإجراءات الأمنية المختلفة في إحباط العمليات وضبط المخططين لها والمشرفين عليها قبل تنفيذها، رغم حالة الطوارئ القصوى التي أعلنتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، واستخدمت فيها آلاف الكاميرات المزروعة في كل مكانٍ، ومئات المناطيد الطائرة في سماء الضفة الغربية، وتقنيات التجسس الحديثة ومراقبة الخطوط والاتصالات الهاتفية، ومتابعة مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، واعتماد البصمة الصوتية في ملاحقة المطلوبين ومتابعة النشطاء والفاعلين، فضلاً عن المعلومات المستقاة من المعتقلين خلال استجوابهم والتحقيق معهم، والتنسيق الأمني الفاعل مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وغير ذلك مما تلجأ إليه سلطات الاحتلال منفردة أو بالتنسيق والتعاون مع دولٍ أخرى إقليمية ودولية.
تؤكد سلطات الاحتلال أن فصائل المقاومة الفلسطينية تزداد قوةً، وتتنافس فيما بينها على العمل في القدس والضفة الغربية، ولا يقتصر العمل والتنافس على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إذ يبدو أن كل القوى الفلسطينية قررت خوض غمار المواجهة، فضلاً عن تشكيلاتٍ عسكرية جديدة مختلطة، لا تتبع فصيلاً بعينه وإن كان جُل عناصرها من حركة فتح، وإنما هي مزيج من الشبان الراغبين في حمل السلاح والتصدي لمحاولات الاقتحام والاجتياح التي يقوم بها الجيش والأجهزة الأمنية، ومنها كتائب عرين الأسود في نابلس وكتيبتي جنين وجبع وغيرهم.
وتشير التقارير الإسرائيلية نفسها التي تتحدث عن سنة النار واللهب في 2022، أن حركة فتح بدأت تعود إلى المواجهة بأشكال مختلفة، فبعض عناصرها الشبان باتوا يشكلون مجموعاتهم الخاصة، أو يلتحقون بالكتائب المشكلة، ولدى هؤلاء أسلحة رشاشة ومعدات قتالية أخرى، يحصلون عليها من مخازن الأجهزة الأمنية التي يوجد بحوزتها آلاف البنادق، أو تزودهم بها عناصر أمنية تنتمي إلى المؤسسات الأمنية الفلسطينية، ممن يؤمنون بالمقاومة، ويبدون استعدادهم للتضحية بالوظيفة مقابل تنفيذ عمليات عسكرية موجعة ضد أهدافٍ إسرائيلية تطال الجنود والمستوطنين.
لا تستبعد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي رصدت تزايداً ملحوظاً في عمليات إطلاق النار من بنادق آلية، أن تلجأ القوى الفلسطينية إلى عمليات التفجير عن بعد، وتفخيخ السيارات، فيما سيشكل نقلة نوعية بعد عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار من بنادق قديمة ومسدساتٍ باليةٍ، تتعطل أكثر مما تعمل، وقد لوحظت محاولات تهريب أسلحة من الجانب الأردني إلى الضفة الغربية، وعلى الرغم من وجد 25 كتيبة من الجيش تعمل في فرقة الضفة في المنطقة الوسطى، أي بزيادة 12 كتيبة عما كانت عليه قبل سنتين، فإن ضبط الأوضاع في الضفة الغربية بات أمراً صعباً.
تنتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومعها قادة أركان جيشهم عملية “كاسر الأمواج”، التي مضى على انطلاقها قرابة سنة وما زالت، إلا أنها لم تؤدِ الغرض الذي انطلقت من أجله، بل إن عمليات المقاومة الفلسطينية قد ازدادت، في الوقت الذي تضاعفت فيه عمليات الاقتحام والاجتياح والاشتباكات مع عناصر المقاومة الفلسطينية، حيث سجلت عمليات المقاومة في صفوف الجيش والمستوطنين حتى نهاية شهر نوفمبر 31 قتيلاً، فضلاً عن عشرات الجرحى والمصابين، في زيادةٍ ملحوظة في أعدادهم منذ العام 2005.
ويحذر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حكومتهم من أن أي محاولة لإعادة اجتياح مدن الضفة الغربية في عمليةٍ تشبه السور الواقي عام 2002، فإنها لن تتمكن من إخماد ثورة الفلسطينيين، ووضع حدٍ لعملياتهم العسكرية، بل على العكس من ذلك فإنها قد تقود إلى انتفاضة جديدة، يشارك فيها مئات المسلحين، ويعززهم عشرات آلاف المدنيين، وحينها ستكون أحداث 2022 مجرد لعبة بالمقارنة مع ما قد تشهده المناطق الفلسطينية من مواجهاتٍ وأحداثٍ، خاصة إذا صادفت الأحداث غياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حينها ستفلت الأمور حكماً من أيدي الجميع، وستكون الأرض والميدان هما السيد والحكم.
كما يحملون المسؤولية إلى قادة المستوطنين ومسؤولي الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، الذين يحرضون على العنف، ويدعون إلى المزيد من التشدد في التعامل مع الفلسطينيين، فعمليات اقتحام المسجد الأقصى وانتهاك حرمته، والتضييق على المصلين فيه، والاعتداء على بيوت الفلسطينيين وقراهم ومزارعهم وأشجارهم، وإطلاق أيدي المستوطنين لترجم الفلسطينيين بالحجارة، واعتراضهم وقطع الطريق عليهم وتحطيم سياراتهم، كل هذا من شأنه أن يزيد من حالة الاحتقان، ويرفع منسوب الغضب والثورة، ويشجع أجواء التحريض والتعبئة، التي ستقود حتماً إلى تفجر الأوضاع وخلق حالة من التنافس والتقليد المميت.
تلك هي صورة القدس والضفة الغربية من وجهة نظرٍ إسرائيلية، تقف على أبواب انتفاضةٍ قادمة كبراميل بارود متفجرة، ثائرة غاضبة، ناقمة متألمة، رجالها كالأسود يربضون، وشبانها كالليوث ينهضون، وفي كل يومٍ لديهم جديدٌ يفزع وحدثٌ يرعب، فلا تبشرهم أيامها القادمة بخير، ولا تعدهم بالأمن، ولا تسمح لهم بالعيش بسلامٍ.
اللهم احفظ ضفتنا بخير، وصُن قدسنا بوعدك، واحفظ شبابنا بحولك، واحم أهلنا برحمتك، واجمع صفنا بإرادتك، ووحد كلمتنا بأمرك، وصَوِّب رميتنا بقوتك، وانصرنا بعزتك.